الاثنين، 21 يناير 2013

رحم الله من أهدى إلي عيوبي



النقد بتعريفه اللغوي هو: تفحّص الشيء والحكم عليه و تمييز الجيد من الرديء، وهذا ما يسمى بالنقد البنّاء. أو باختصار قل: بيان الأخطاء ومحاولة تقييمها وتقويمها.
  
 فإذا اردت أن تنتقد شخصا فأنت أمام أحد هدفين:
إما أن تنتقد الشخص ذاته في صورة الموضوع الذي تنقده فيه. وإما أنك تنقد الفكرة بغض النظر عن صاحبها..
فليكن نقدك لأخيك نقداً بينياً، أي بينك وبينه، ولا تنقده أمام الآخرين، فقد جاء في الأثر: "مَنْ وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومَنْ وعظه علانية فقد شانه".  وجاء عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله لبعض تلاميذه: "إذا رأيت من أخيك زلة لم يكن لك بد من أن تنصحه فيها، فإن واجهته بها أوحشته، وإن كتمتها فقد خنته، قال فكيف أفعل يا إمام؟، قال: تعرض بها في الكلام وتجعلها في بعض حديثك "..

وكن دقيقاً في نقدك، فأنت تُقيِّم وتُقوِّم، فلا تَعصُّب ولا إفراط ولا تَجاوُز، فقد قيل: "مَنْ بالغ في الخصومةِ أثِم".

وما تكفيه الكلمة لا تعمّقه بالتأنيب، وما يمكن إيصاله بعبارة لا تطوّله بالنقد العريض...
وفي كلّ الأحوال اعلم أنك تنتقد نفسك، قال أحد السلَف: "إني لأرى الشيء أكرهه، فما يمنعُني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أُبتَلَى بمثلِه". وقال آخر: "إذا رأيت الرجل مُولعا بعيوب الناس ناسيا لعيبه؛ فاعلم أنه قد مكر به".
 
ألا واعلم أخي أن النقد والتقييم والمؤاخذة على الخطأ هدية، فاختر هديتك بتروّ وتمعّن شديدين، حتى تستحق أن يُترحّم عليك، جاء في الأثر: "رحم الله مَنْ أهدى إليَّ عيوبي".
قيل لبعض العلماء، وقد اعتزل الناس وكان منطويًا عنهم: لِمَ امتنعت عن المخالطة؟ فقال: وماذا أصنع بأقوام يخفون عني عيوبي.

واسمع معي لهاتين القاعدتين الجليلتين واحفظهما جيدا.
الأولي: لسعيد بن المسيب رضي الله عنه، قال: "ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلا وفيه عيب؛ ولكن إن كان فضلُه أكثرَ من نقصِه ذهب نقصُه لفضلِه؛ كما أن مَنْ غلبَ عليه نقصانُه ذهب فضلُه".
والثانية: لابن القيم رحمه الله حيث قال: "فلو كان كلُّ من أخطأ أو غَلط تُرِكَ جملةً، وأُهدرت محاسنُه لفسدت العلومُ والصناعات، والحكم وتعطلت معالمُها".

 وأخيرا اعلم أخي: إن النقد والنصح خصلة جليلة، لا يقوَى على تحقيقِ مدلُولها إلا العُظماء أصحابُ النفوس الشامِخة، والقلوب الناصِعة، والتواضُع الصادِق، أولئك الذين يتقبَّلون عيوبَهم بقوَّةٍ وشجاعة، ويواجَهون أنفُسَهم بكل ثباتٍ، فتنصرف هِمَمهم إلى التفكير في إصلاح عيوبِهم. "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ  فصلت: 35
فاللهم ألهمنا رشدنا، وبصرنا بعيوبنا، وأشغلنا بمداواتها، ووفقنا للشكر من يطلعنا على مساوئنا بمنّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق