الأحد، 22 ديسمبر 2013

موضوع الخطبة: من حُسن إسلام المرء



الخطبة الاولى


    الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أتم علينا النعمة، وأكمل لنا الدين، وهدانا صراطه المستقيم، وأشهد محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق، ويصرف عن مساوئها، فأقبل على شأنه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرا .. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
      أما بعد: فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". أخرجه الترمذي وغيره.  
   أيها المسلمون: هذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب، بل هو أحد أعمدة الأخلاق الإسلامية، فيه توجيهٌ للأمة بالاشتغال بما ينفعها ويقرّبها من ربّها، وإرشادٌ إلى اغتنام الأوقات بالخيرات، وخاصة العمر أقلّ وأضيق من أن يشتغل أحد فيه بما لا يعنيه، وقد قال بعض السلف كلمة عظيمة تدل على فقههم  واهتمامهم بأمر دينهم رضي الله عنهم، قال: "علامة إعراض الله سبحانه وتعالى عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه".
    عباد الله: ومن الأمور التي يشملها الترك في الحديث النبوي: ترك فضول الكلام، ولغو الحديث؛ لأنه يتعلق بجارحة خطيرة، ألا وهي جارحة اللسان، ألا وإن من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح هذا الحديث: "ومعنى هذا الحديث: أن مِن حُسن إسلامه تركُه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصَر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال، ومعنى يعنيه أن تتعلق عنايته به، ويكون من مقصده ومطلوبه". 
    أيها المسلمون: فماذا نقول في واقعنا اليوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟! 
   نقول: ما أكثر الذين يتفرّغون ويقضون وقتهم في المراقبة والتدخل والتعدي على خصوصيات الآخرين، مع أنه أمر لا يعنيهم دينا ودنيا. وللأسف!! إن هؤلاء قد وضعوا انفسهم حكاما على خصوصيات غيرهم وعلاقاتهم الشخصية، من أجل إشباع أهوائهم ورغباتهم ومصالحهم. 
    فكم من تقارير كتبت، ومجالس عُقدت، وولائم نُصبت، وليالٍ قُطِّعت، يخوض فيها أصحابها فيما لا يعنيهم، ويتكلَّمون فيما لا ينفعهم، ويستمعون إلى أمور طهّر الله منها أيديهم وأرجلهم، فأبوا إلا أن يلوكوها بألسنتهم، ويفتحوا لها آذانهم، وقد تكون موبقات الأسماع والألسن أعظم من موبقات الأيدي والأرجل، "وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"؟!!.
    نعم.. كم من المشاكل الفردية والجماعية بسبب تَدخّلِ البعض في شؤون الآخرين قولاً وعملاً، سؤالاً وتجسساً، فكم من صدور أوغرت، وخصومات أجّجت، وأزواج طلّقت، وأسرار كشفت، من تدخل الآخرين فيما لا يعنيهم، وإعراضهم عن هذا الحديث العظيم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". 
   ولو تأملت ـ يا رعاك الله ـ  لأدركت أنه لا يهتمّ بالصغائر إلا الصغار، ولا يفتّش عن المساوئ إلا البطَّالون، وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون.
     فيا أيها المسلم: إذا أردت أن يحسن إسلامك، فاترك ما لا يعنيك من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا تحتاج إليها. واشتغل بما يعنيك من صحة اعتقاد وكمال إيمان وصلاح عمل، واطلب ما هو من ضرورات معاشك، والتي لا قيام لحياتك بدونها من ألوان المباحات..
   واعلم ـ أيها الفاضل ـ أن الضابط الصحيح لترك ما لا يعني هو الشرع، لا مجرد الهوى والرأي، أو تأثير الآخرين ونظرياتهم..
   وبالجملة ـ أقول لك: إن كل أمر لا تعود عليك منه منفعة لدينك ولا لآخرتك فهو مما لا يعنيك، وكل أمر تخاف من تركه فوات أجر أو بارتكابه حصول وزر فهو مما يعنيك،  بل بعبارة أدقّ أقول لك: إن كل ما يقربك إلى الله ـ عز وجل ـ فهو مما يعنيك، وما لا يقربك إليه فهو مما لا يعنيك.
    فيا حفظكم الله، إنَّ تَدخُّل الإنسان في ما لا يعنيه، وتطفُّلَه على تخصّص ليس منه، ولا هو من بَابَتِه في وردٍ ولا صدرٍ، لهو عين الإفتيات، وكفى بهذا سوءًا ووقوعًا في مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
     ألا فأقبِلوا على شؤونكم، واشتغِلوا بما يعنيكم، وكفّوا عما لا يعنيكم، فإن ذلك هو علامة التوفيق، ودليل الهداية، وهو سمة ذوي العقول الألباء، فضلًا عن المؤمنين الأتقياء.  روى الديلمي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس".  يعنى هنيئًا لمن انشغل بعيوب نفسه ليصلحها، ولا يلتفت الى عيوب الآخرين.
    نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على الإنشغال بعيوبنا، وأن يرزقنا حسن استغلال الأوقات، وأن يجنبنا فضول الملذات، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

    الحمد لله الذي بصّر أولياءه بمواقع نقصهم فكملوا، ووفقهم لما ينفعهم من الأعمال فشمروا. أحمده حق حمده، وأصلي وأسلم على صفوة خلقه، وأترضّى على آله وصحبه..
   أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى، واشتغلوا بما ينفعكم وينفع إخوانكم، وتجنبوا ما يضركم ويضر إخوانكم، فهذا هو الذي كُلّفتم به..
  رُوي أن قسَّ بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه : كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟. فقال: هي أكثر من أن تُحصى، والذي أحصيتُه ثمانيةُ آلاف عيب، ووجدتُ خصلةً إن استعملتها سترتَ العيوبَ كلَّها، قال: ما هي؟. قال : حفظ اللسان .
     ونُقِل عن الحسن البصري رحمه الله قوله: "من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه"؛ فعلى العاقل الذي يرجو الله والدار الآخرة إذن، أن يقبل على شأنه، حافظًا للسانه، بصيرًا بزمانه، وأن يعُدّ كلامه من عمله؛ فإن من عَدَّ كلامه من عمله، قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه..

    ألا فاتقوا الله عباد الله واحرصوا على ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم، واذكروا على الدوام، قول الله تعالى: "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً".  الإسراء:36.
     اللهم إنا نسألك حسن الإسلام، وسلامة القلب من الآثام، اللهم أصلح لنا أقوالنا وأعمالنا يا رب العالمين. اللهم قنا وجميع المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، وصلِّ الله وسلم على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق