الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

الموضوع: المخدرات وأثرها المدمّـر




الخطبة الأولى

     الحمد لله الذي شرع لحفظ العقول ما لم تشرعه ملّة سابقة، ولا نُظُم لاحقة، فحرّم الخمور والمخدرات، وحصنها من الانسياق وراء الأوهام والخرافات، وزكَّاها بالآيات البينات، والحجج الباهرات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله حرّم الخبائث وأحلّ الطيبات، صلى الله وسلم عليه، ورضي عن آله وأصحابه ما تتابعت الأوقات.
    أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله وراقبوه، واخشوا ربكم واحذروه، واتبعوا أمره وأطيعوه، واجتنبوا ما نهاكم عنه واتركوه، لتفوزوا برحمته، وتدخلوا جنته، وتشملكم مغفرته.
     أيها المسلمون: حديثي إليكم اليوم عن سلاح خطير، بيد فاقدي الضمير، يفتك بالعقول فيعطلها، ويفتك بالأجساد فيهدّها، ويفتك بالأموال فيبددها، ويفتك بالأسر فيشتتها، ويفتك بالمجتمعات فيحطّمها.
     حديثي اليوم..  عن إرهابٍ يسلب العقول، وعن إجرام يستهدف أعزَّ ما تملكه الأمة، إنَّه يستهدف شبابنا، ويتقَصّد نَخْر قوتها، فلا يكون لمستقبلنا أملٌ ولا قوة .
      أتعلمون ما هو ؟.
    إنه المخدرات.. وما أدراك ما المخدرات؟, أشكال وألوان، ما أنزل الله بها من سلطان، أقنعة كثيرة لوجه واحد قبيح، وأسماء وصفات لسموم ومسكرات، ما جلبت على البشرية إلا البغضاء والعداوات.
    نعم.. إنها المخدرات.. كلمة قليلة الحروف، قليلة المعاني، ولكن ليس لـها إلا ثلاث نهايات: الجنون، أو السجن، أو الموت. الحديث عنها وعن هلكاها وضحاياها مؤلم وطويل.. فهي تهتك الأستار، وتظهر الأسرار، وتدخل صاحبها في دائر الفجار، كل بلاء يصغر دونها، خطيئةٌ لها ما بعدها من الانحراف والخطايا.
    أيها المسلمون: وإنني هنا ومن على هذا المنبر، أضم صوتي إلى صوت عقلاء العالم من أمتي بإنقاذ المجتمعات من وَيْلات هذا البلاء. 
   عباد الله: إننا نتحدّث عن المخدّرات في وقتٍ ضجّت فيه البيوت بالشكوى، واصطلى بنارها من تعاطاها ومن عاشرها، وأحالت حياتَهم جحيمًا لا يُطاق، فوالدٌ يشكو، وأمٌّ تبكي، وزوجةٌ حيرى، وأولادٌ تائهون في ضيعةٍ كبرى، ومن عوفي فلله الحمدِ. 
   قال عنها المنظّرون: "إنّ خطرَ المخدّرات وتأثيرها المدمّر، أشدُّ فتكًا من الحروب التي تأكل الأخضر واليابسَ، وتدمِّر الحضارات، وتقضي على القدرات، وتعطّل الطاقات".
   يا عافاكم الله: المخدّرات تفسد العقل، وتقطع النسل، وتورث الجنون، وتجلب الوساوس والهموم، وأمراضًا عقليّة وعضويّة ليس لها شفاء، وتجعل صاحبَها حيوانًا هائجًا ليس له صاحب، وترديه في أَسوَإ المهالك والمصائب، مع ما تورثه من قلّة الغيرة وزوال الحميّة؛ حتى يصير متعاطيها ديّوثًا وممسوخًا.
    نعم.. إن ذلك لا ينكره عاقل، بل إن من المحسوس والمشاهد للناس جميعًا، أن هذه المواد المعروفة الآن بالمخدرات على اختلاف أنواعها ومسمياتها لها من المضار الصحية والعقلية والروحية والأدبية والاقتصادية والإجتماعية فوق ما للخمر، فاقتضى الدليل الشرعي ثبوت حرمتها، وأنها داخلة فيما حرم الله تعالى ورسوله من الخمر المسكر لفظًا ومعنى.
   فلقد أمرنا الله باجتناب الخمر وما في حكمه من مسكر ومخدر، ولا فرق في التحريم بين قليله وكثيره، لحديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مخدر ومفتر"، ولحديث: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"، ولحديث: "ما أسكر كثيره فملء الكف منه حرام".
       قال الإمام ابن القيم رحمه لله تعالى: "ويدخل في الخمر كل مسكر مائعًا كان أو جامدًا، عصيرًا أو مطبوخًا، واللقمة الملعونة لقمة الفسق والفجور التي تحرك القلب الساكن إلى أخبث الأماكن".
     بل يكفينا ـ يا عباد الله ـ أن نقول: إن المخدرات تفسد العقل والمزاج، وما قيمة المرء إذا فسد عقله ومزاجه؟ .
   يتعاطى ـ هذا المغفل ـ المسكرات والمخدرات، فيرتكب من الآثام والخطايا ما تضج منه الأرجاء، وما يندم عليه حين يصحو، ولات ساعة مندم. قال الحسن البصري رحمه الله: "لو كان العقل يشترى، لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده"!.
   أيها الأكارم: وإنّ بلادنا لتواجه هجومًا شرسًا من جهاتٍ مشبوهة بخططٍ وأهداف بعيدة المدى لتهريب المخدّرات وترويجها بين أبنائنا، لتحطيم البلاد كلِّها اجتماعيًّا واقتصاديًّا ودينيًّا وأخلاقيًّا وفي كلّ المجالات، حتى أضحت حرب المخدّرات أحدَ أنواع الحروب المعاصرة الخطيرة، والذي يقف في الميدان يدرك مدى ضراوةِ هذه الحرب.
   ففي جزائرنا الحبيبة -حماها الله- ورد في حديث لوكالة الأنباء الجزائرية ما يلي: لقد ذكر: "المدير العام للديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان السيد محمد زوغار أن: "مجموع 163ر77920 كلغ من القنب الهندي حجزت خلال السداسي الأول من سنة 2013 (جانفي – جوان). وأضاف قائلا: (وسجلت حصيلة السداسي الأول من سنة 2013 أيضا حجز 583.185 حبة من المواد المهلوسة لمختلف العلامات: (190 قارورة ذات علامة، و20 قارورة من الكزيلاكوين، و19 قارورة من نوع الفاليوم، وعلبتي اميبرازول، بالإضافة إلى حجز 778ر217 غرام من الكوكايين، و8ر6 غرام من الهيروين". هذا حسب ما ذكر المدير العام للديوان الوطني لمكافحة المخدرات.. (جريدة الشروق15نوفمبر2013).
     وبعد، أيها المسلمون: هذه الكميات كفيلة بتدمير شعب بأكمله لولا عناية الله، ثم الجهود المبذولة من الدرك والشرطة والجمارك، وبعض المواطنين المخلصين الذين كان لهم دور أساسي في كشف بعضها، جزى إلهي الجميع -مسئولين ومواطنين- خير الجزاء، وحفظ الله بلادنا من كل سوء. 
   عباد الله: إن الحديث عن المخدرات حديث مؤلم، ولكن السكوت عنه لا يزيد الأمرَ إلا إيلامًا؛ لذا فلا بدّ من الوعي بحقائق الأمور وإدراك حجمِ الخطر، ثم التكاتُف والتآزر بين أفراد المجتمع ومؤسّساته؛ للحدّ من هذا الوباء وصدّه قبل استفحال الداء، ولا تقلْ ـ يا أخي ـ أنا أسرتي محافظة، نسأل الله أن يحفظ أسرنا جميعاً، لكن مع ذلك فقد تكون أنت أشد استهدافاً.
      وأقول للجميع: ما من مشكلة يعاني منها المجتمع، إلا ونحن جميعاً مسؤولون عنها، أفراداً وجماعات ومنظمات وهيئات رسمية وغير رسمية، المجتمع كلٌّ متداخل، فلا بد من الوعي، ولا بد من الحركة نحو الإصلاح، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. 
     نسأل الله أن يعافينا في أنفسنا وفي ديننا وأهلينا، وأن يقينا والمسلمين شرَّ هذه البلايا، وأن يردَّ ضالَّ المسلمين إليه ردًّا جميلاً، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..



الخطبة الثانية

      الحمد لله الذي سهل لعباده المتقين إلى مرضاته سبيلاً، وأوضح لهم طريق الهداية، وجعل اتباع الرسول عليه دليلاً،  صلوات ربي وسلامه عليه وعلى أصحابه.
      ثم أما بعد، فيا عباد الله: إن ظاهرة تعاطي المخدرات -كغيرها من الظواهر الاجتماعية – لا يمكن الجزم بوجود سبب واحد في انتشارها، بل هي مجموعة أسباب متداخلة، وفي خطبتي هذه، أذكر أهمها:
    أولا- ضعف الإيمان وأساس ذلك يأتي في الجهل بالعلم الشرعي، فمتى وجد الجهل وجد ضعف الإيمان، لأن الإيمان أساس العلم الشرعي الذي يهدي لأرشد طريق.  
     ثانيا- عامل التربية والتوجيه الذي يُفتقد في بعض الأسر، فينشأ الطفل في المنزل دون أن يجد من يوجهه وينصحه ويعلمه ويذكره، وبالتالي يقع فريسة هذا البلاء لجهله بعواقبه..
    ثالثا- رفقة السوء والتي تكون داعية شر وبلاء، ونشر للفساد بين أفراد المجتمع، فكم من فتى كانت بدايته جيدة، ثم تعرف على رفقة سيئة كانت سببا في انحرافه ووقوعه في كثير من الشرور وفي مقدمتها المخدرات.
      أيها المسلمون، ألا وإن المسؤولية في محاربة هذا الخطر تقع على كواهلنا جميعـاً، فعلى البيت مسؤولية، وعلى المدرسـة ومناهج التعليم مسؤولية، وعلى الإعـلام والقائمين عليه مسؤولية، وعلى الدولة والمجتمع مسؤولية، وليس في تقصير البعض ما يبرر إعراض الآخرين عن القيام بالواجب، لأن الخطأ لا يبرره خطأً آخر.
     فاتقوا الله -أيها المسلمون- وتعاونوا على الخير، حاربوا الشر؛ فإن الله تبارك وتعالى جعل من صفات المؤمنين المسلمين أن يوصي بعضُهم بعضاً لكل خير، وأن يتآمروا بالمعروف وأن يتناهوا عن المنكر. قال تعالى: "وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ".  سورة العصر
    أسأل الله تعالى أن يحفظ أبناءنا وبناتنا من هذه الشرور، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى إنه جواد كريم. اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجعل بلدنا آمنا سالما وجميع بلاد المسلمين، اللهم اسلك بنا سبيل الأبرار، ووفقنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا وأحسن عاقبتنا وأكرم مثوانا برحمتك يا أرحم الراحمين. وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق