السبت، 23 نوفمبر 2013

الفرح سلوكٌ راق، يا أنصار الفريق الوطني



الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، عم بنعمته الخلائق كلها، على مدار الأعوام والسنين، وأكمل دين الإسلام ورضيه ديناً لعباده المؤمنين.. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين وصحابته الأكرمين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
  
أما بعد، فيا عباد الله: بالشكر والإيمان تدوم النعم، وبالكفر والعصيان تحل النقم، فحافظوا على نعم الله التي بين أيديكم يدمها عليكم، واحذروا كل الحذر من كفر النعم فيذهبها الله من بين أيديكم، يقول الله تعالى: "لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد"، ويقول عز وجل: "وإن تعدوا نعمة الله لا يحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ."
أيها المسلمون: إنَّ السرورَ والفرَحَ بِنَيلِ المطالِبِ وإدراك المحبوبات والمآرب وكذلك الحزن بفقد المطالب وفوات المحبوبات، مِن صفات البشر، ومما جُبِلَت عليه النفوس.
فالنفس البشرية تعتريها الأحوال المختلفة، يمر عليها أحوال الفرح والترح، والسرور والسعادة، والضيق والضنك، أمر بديهي، وكل حال من هذه الأحوال قد يعرض النفس إلى الشطط وعدم الاتزان، فربما في حالٍ من هذه الأحوال تنحرف النفس عن مسارها واستقامتها، يستغلها الشيطان فرصة فيسول للعبد ويزين وينفث ضلالاته حتى يحيد بالعبد عن الطريق، فالشيطان يستغل التهاب المشاعر الإنسانية من فرح، وترح، وغضب، وحب وبغض .... الخ، فيحاول معهم حتى يتحقق له المراد.

ويجب على العبد المؤمن حين وقت الفرح أو الحزن أن يلتزم الجادة في كل أحواله من فرح وترح وغير ذلك ويرتبط دائماً بمولاه، ويحذر كل الحذر من الشطط والانحراف..
ولقد وجّه الإسلام العاطفة الملتهبة بالفرح، إلى الفرح بفضل الله وبهدايته، قال تعالى: "قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"
فعلى المسلم حين الفرح، أن يحذر مكر الله سبحانه، لأن الفرح قد يجعل صاحبه ينسى المُنعم، وهو الله سبحانه، فيكون سبب لسلب النعمة، ولو بلغ العبد من الطاعة ما بلغ، لا ينبغي له أن يفارقه الحذر، فالفرح متى كان لله، وبما منّ الله به، مقارنا للخوف والحذر، لن يضر صاحبه. ومتى خلا من الحذر ضرّ وأفسد. 
وهذا كتاب الله جل جلاله، يشير إلى ألوان من الفرح المنحرف الضار، فيقول في سورة الأنعام: "فلما نسوا ما ذُكروا به  فتحنا عليهم أبواب كل شيء، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون". أي أن أهل الشرك والعناد والمعصية، نسوا أوامر الله واعرضوا عنها، وجعلوها وراء ظهورهم، ففتح الله عليهم أبواب الإستدراج والإمهال، فأعطاهم من متاع الحياة ما يريدون، حتى إذا فرحوا بالأموال والشهوات، أخذهم الله على غفلة، فإذا هم بائسون محرومون من كل خير.
أيها المسلمون وفي الوقت نفسه الذي دعا الله فيه الناس للحذر حين الفرح، فهو ـ سبحانه ـ لم يُرِد أن يكون باب السعي وراء الطيبات وفرح الإنتصارات مفتوحا على مصراعيه.. لأن النفس البشرية لن تقف عند حد, حتى لو كان حراماً، وستطالب دوماً بالمزيد، حتى لو كان إسرافاً، وسيصبح صاحبها كمن يشرب من ماء البحر، كلما شرب منه ازداد عطشاً... وهكذا حتى يصبح حالة مَرضية وانحرافاً و طغياناً.
 وقد عرض لنا القرآن الكريم  نموذج قارون، وتحدث عنه بإسهاب، حيث كان قارون من أتباع موسى على نبينا وعليه السلام، ولكنه رويداً رويداً راح يعبّ من خيرات الدنيا، ليس فقط من حلالها، بل تعدى ذلك إلى حرامها، فطغى واستبد تاركاً وراء ظهره إيمانه بالنبي موسى عليه السلام ورسالته وكل ما قد عاهد الله عليه، قال تعالى: "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ". فقد وصل قارون إلى قمة الفرح، ولكن أي فرح هو هذا؟... 
فرح قارون كان فرح طغيان المال والشهوات، وفرح البطر بنعمة الله ونكران الجميل... والنتيجة: قال تعالى: "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ".
وها هي القاعدة القرآنية لحركة الإنسان في الحياة: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ". 77:القصص.
إنّها الدعوة الواضحة والصريحة للأخذ بكلّ أسباب الفرح، ولكن دون تغليب جانب على آخر.. نعم ـ أيها المسلمون ـ الفرحُ سلوكٌ راقٍ، وفِكرٌ رصينٌ، ومطلبٌ مهمٌّ، وهدفٌ منشود. والناسُ كلّ الناس يسعَى إلى فرحِ قلبِه، وزوالِ همِّه وغمِّه، وتفرُّق أحزانِه وآلامِه.
 ولكن .. ولكن على المسلم أن يظهر ذلك في إطار الشَّرع، وضوابِط الدِّين، ومُرتكَزات القِيَم والأخلاق دون خدشٍ للحياء. فالفرح يكون مذموما إذا كان ناتجًا عن الطغيان والتكبر والغفلة والخواء، وليس من شأن المسلم أن يكون مفراحًا إلى درجة الإسراف؛ إذ ما من شيء من أمور الدنيا إلا والإسراف يشينه، كما أن الاعتدال يزينه، إلا عمل الخير ولذلك قيل: لا خير في الإسراف ولا إسراف في الخير.
ومن هذا المنطلق ـ عباد الله ـ فإن الإسراف في الفرح سواء كان في الأعراس أو الإنتصارات الرياضية أو شبهها، مدعاة للخروج عن المقصود، بل ولربما أدى إلى الوقوع فيما لا يرضي الله سبحانه وتعالى من معاصٍ أو ضجيج وأهازيج، تقلق الذاكر، وتنغص الشاكر.
 وهذا ـ وللأسف ـ ما حدث بعد تأهل الفريق الوطني لكأس العالم، فإن أبالسة الجن والإنس ما فوتوا الفرصة، فلقد زينوا لكثير من الشابات والشباب، ودفعوهم وبطرق شتى إلى الإنحراف بهذا الفرح إلى مخالفات عظمى، وسيئات كبرى، فعاثوا في الشوارع والساحات فسادا، وأرخصوا القيم العليا والمبادئ السامية التي نعيش عليها، ولا نقوم إلا بها..
أيها المسلمون:  إني عندما أقول هذا، فإني لا أدعو  لعدم الفرح بهذا الإنتصار، وإنما لنكشف عن الوجه الآخر الذي تحولت له كثير من مظاهر الفرح في مجتمعنا، وأنبه إلى ما انفرط فيها من معاص، فقد انقلبت  الأفراح إلى أتراح في كثير من الحالات، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

فيا عباد الله: قيِّدوا أفراحكم بشرع الله، وإياكم والتجاوزَ فيه بالقول أو بالعمل! وإياكم أن تأسوا على ما فاتكم، أو تتجاوزوا المشروع في الفرح بما آتاكم! فالله يقول: "لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ". الحديد:23 . أي: مختال في نفسه، متكبِّر فخور على غيره، وتأملوا قول عكرمة واعملوا به، قال: "ليس أحدٌ إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكراً، والحزن صبراً". فهذه قاعدةٌ حَرِيَّة بالتأمل. واتقوا الله لعلكم تفلحون..  
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..  

الخطبة ا لثانية
   الحمد لله، الحمد لله حمدًا كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً، أحمدُه حمدًا لا انتهاءَ لأمَده، وأشكرُه شُكرًا لا إحصاءَ لعدده، الحمدُ لله عددَ خلقِه وزِنةَ عرشِه ورِضا نفسِه ومِدادَ كلماته، الحمدُ لله كما يحبُّ ربُّنا ويرضَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الأعلى، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله النبيُّ المُصطفى والخليلُ المُجتبَى، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه ومن اقتفَى 
.
   أما بعد: فما أجمل - أيها الأحبة- أن ننطلق في أفراحنا من اعتزازنا بديننا، وأن نكون صادقين مع ربنا، شاكرين لأنعمه، سائلينه سبحانه أن يزيدنا من فضله..
ألا وإن الفرح الأكبر، والنعيم الأعظم، فرحٌ لا يفنَى، ونعيمٌ لا حدَّ لمُنتهاه، عندما يُوفَّقُ المُسلمُ لسعادة الأبَد في جنَّات النعيم، وهناك يفرحُ المؤمنون دون غيرِهم يوم القيامة، تتلألأُ وجوهُهم نورًا، ومن شدَّة الفرَح تظهرُ ضاحِكةً مُستبشِرَة، قال الله تعالى: "تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيم".  المطففين: 24 ، وقال سبحانه: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ".  القيامة: 22، 23. وقال سبحانه:  وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ".  عبس: 38، 39.

    فاللهم إنا نسألُك الجنة وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل. اللهم إنا نسألُك من الخير كلِّه عاجلِه وآجلِه، ما علِمنا منه وما لم نعلَم، ونعوذُ بك من الشرِّ كلِّه عاجِلِه وآجلِه، ما علِمنا منه وما لم نعلَم. اللهم إنا نسألُك فواتِح الخير وخواتِمَه وجوامِعه، وأوله وآخره، وظاهره وباطنه، ونسألُك الدرجات العُلَى من الجنة يا رب العالمين. اللهم أصلح حال شبابنا..واهدهم سبل النجاح و الفلاح.  اللهم نور حياتهم بالعلم، و زين أخلاقهم بالحلم، واجعلهم  من عبادك الطائعين.  اللهم تقبل بفضلك أعمالنا، وحقق بالزيادة آمالنا، واجعل بطاعتك اشتغالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واختم بالسعادة آجالنا، واجعل إلى جنتك مصيرنا ومآلنا، اللهم اغفر لآبائنا و أمهاتنا، وتجاوز عن سيئاتهم وسيئاتنا، واجعلنا من عبادك الصالحين، يا ارحم الراحمين. اللهم أمنا في دورنا ووفق إلى الخير و الصلاح ولاة أمورنا، واجعل اللهم بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق