الحمد لله، والصلاة والسلام على
رسول الله، وبعد:
فإن في مجتمعنا مشكلة يجب أن
نتحدث عنها. فقد صدّت عن ذكر الله وفتنت الشباب والكهول، وسلبت الأموال والطاقات،
وأشاعت البغضاء
والعداوات. هل تعلمون ما هي:
إنها كرة القدم . . وما أَدراك ما كرةُ القدم؟. الهَوَسُ
المتسلّطُ على عقولِ الأَجيال في العصرِ الحديثِ. من أَجلها تقام المعارك وتنشب
الحروب وتموت الضحايا، ولأجلِها تُطَلَّق الزوجات وتقطَّع أَواصر القرباتِ بين الأفراد
والجماعات، وما إلى ما لايذكر من الأضرار والسيئات...!.
ألا انّ ممارسة (كرة القدم) من
الأُمور المشروعة، إِذ لا نعرف دليلاً يحرّمها، والأصل في الأشياء الاباحة، بل لا
يبعُد أن تكون من المستحبّات، إذا مارسها المسلم ليتقوَّى بدنه، ويتخذها وسيلة
لتكسبه قوة ونشاطا وحيوية، وقد رغّب الشرع في تعاطي الأَسباب المقوّية للبدنِ.
جاء في الحديث: "المؤمنُ
القويُّ خيرٌ وأَحبُّ إِلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ، وفي كلِّ خيرٌ". رواه
مسلم.
وعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بينما الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه
وسلم بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "دعهم يا عمر..". ففي هذا ما يدلّ على إعجاب النبي صلى الله عليه
وسلم بلعب الحبشة بالحراب، وما أقرّه في المسجد إلا ليراه العرب فيتعلمون.
ثم إذا فهمنا مقاصد الإِسلامِ
ومنهجه في بناء المجتمعات، نجد كرة القدم من الألعاب الّتي يزكيها الإِسلام
وتزكيها تعاليمه؛ فهي مدرسة تُعلّم دروسا في التجميع لا في التشتيت، وفي الوحدة لا
في التفرّق، وفي الوُدّ لا في التباغض والعداوة. إنها
لعبةٌ تؤكد أنّ الأَهداف لا يمكن أَن تُحَقَّقَ إِلاّ بالروح الجماعيّة، وأنَّ
الفرد قليل بنفسه كثير بإِخوانِه.
ولكن للأسف.. فهذه اللعبة لا
يمارسها ـ فعليّا ـ إِلا القليلون، ولكن الكثيرين يتابعونها على وجه مشين، فيوم
تقام مباراة بين فريقين لامعين، فكأنّ الحرب الضروس قد أُعلنت، رفعت لها الرايات
وانبرت لها الإذاعات، وهُيّئت لها الشاشاتُ، وأَعدّ المشجعون لها الأحجار
والسكاكين والطبول والمزامير والأَناشيد الجماعيّة والهتافات القويّة!.
وما أَن تنجلي المعركة الحامية
عن هزيمة أَحد الفريقين، حتّى ينتقل ميدان المعركة من ساحة الملعب، ليكون ميدانها
في البيوت والمدارس، والمجلات والصحف، ومكاتب الموظفين والمقاهي والمنتديات. وما
أَن تهدأ حدّتها، وتنجلي غمرتها، حتّى تبدأ معركة أخرى بمباراة ثانية.. وهلمّ
جرّا. وإِذا رفعت صوت العقل لتناقش أَحد هؤلاءِ المصابين بالهَوَسِ الكروي، قال لك
بملء شدقيه:(إِنّني رياضي)!.
نعم .. قد أصبحت هذه الرياضة
وسيلة لتفريق الأمّة، وإِشاعة العداوة والبغضاء بين أفرادها، حيث أوجدت التعصّب
المَقيت للفرق الرياضيّة المختلفة، فهذا يشجع فريقا، وذاكَ يشجّع آخر، بل إنّ أَهل
البيت الواحد قد ينقسمون على أنفسهم، هذا يتبع فريقا، وذاك يتبع آخر، ولم يقف الأَمر
عند حدّ التشجيع، بل تعدّاه إِلى سخرية أتباع الفريق المنتصر من أَتباع المنهزمين،
وفي نهاية المطاف يكون هناك الشجار والعراك الّذي يدور بين مشجعي الفريقين، وسقوط
الجرحى والقتلى بالمئاتِ، من ضحايا كرة القدم!.
نعم.. للأَسف، نحن لم نع الدرس، قلبنا الغاية إِلى
وسيلة، والوسيلة إِلى غاية، وآمنّا بالشكل وكفرنا بالمضمون، واعتنينا بالمظهر
وأَلقينا الجوهر وراء ظهورنا.
ما معنى أن أشجع ناديا وأتعصب
له؟.
معنى
ذلك أنّني ضحل التفكير، ضيّق الأفق، أنانيّ الطبع، مستبدّ برأيي، لا أفهم شيئا عن
الروح الرياضيّة، ولا أجد من أنواع الرياضة إِلاّ التصفيق الأرعن، والهتاف
المحموم. وإذا نهزم الفريق قام أنصاره بالخروج إلى الشوارع، فيُكسّرون ويَحرقون
المتاجر والسيارات، ويُخربون المؤسسات العامة، والممتلكات الخاصة، وتعمّ الفوضى،
وينعدم الأمن.
أخي: إِنّنا لا نحجر عليك في أن
تنتميَ إِلى ناد أو فريق وتشجعه. نحن معك ولكن هنالك فرق كبير بين التشجيع
والتعصب، ولغة الحجارة والطوب. إنّ الروح الرياضيّة تعلمنا أن نبتسم عند الهزيمة،
ونتواضع عند النصر، وتعلمنا أنّ الأيام دول، فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسرّ.
ألا إنّ الإسلام يُقرّ ويحضّ
على الرياضة الهادفة النّظيفة، التي تُتّخذ وسيلة لا غاية، وتُلتمس طريقا إِلى
إيجاد الإنسان القوي الفاضل المتميِّز بجسمه القويّ، وخُلقه النّقيّ، وعقله
الذكِي، فمن حقّنا أن نتمتّع بالرياضة إذا كانت وسيلة لا غاية، واستمتاعا لا
تعصّبا. فلا أحدٌ يستطيع أن يَفتي بتحريم كرة القدم، ولا أحدٌ يستطيع أن يحول بين
الناس وبين حاجياتهم الضرورية لها، وإنما نقول: ليست الحياةُ كلّها لعبا، كما أنها
ليست كلّها جدا، بل لا تصلح الحياة إلا بكليهما، ولكن كلٌّ على قدره.
فيا أيها المباركون: إنّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يضع لنا المثل الأَعلى في الروحِ الرياضية، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كانت العضباء ـ ناقة النبيّ صلى الله عليه وسلم ـ لا تُسبَق، فجاء أعرابيّ على قَعود له فسابقها فسبقها، وكأنّ ذلك شقّ على أصحاب النبيّ. ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتهز الفرصة، ليعلّمهم الروح الرياضية، ويعطيهم درسا في أنّ الجلوس على القمة في الدنيا لا يدوم لأحد، فقال عليه الصلاة والسلام: "إِنّ حقّا على الله ـ عزّ وجلّ ـ ألاّ يرفع شيئا من الدّنيا إلاّ وضعه".
فيا أيها المباركون: إنّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يضع لنا المثل الأَعلى في الروحِ الرياضية، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كانت العضباء ـ ناقة النبيّ صلى الله عليه وسلم ـ لا تُسبَق، فجاء أعرابيّ على قَعود له فسابقها فسبقها، وكأنّ ذلك شقّ على أصحاب النبيّ. ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتهز الفرصة، ليعلّمهم الروح الرياضية، ويعطيهم درسا في أنّ الجلوس على القمة في الدنيا لا يدوم لأحد، فقال عليه الصلاة والسلام: "إِنّ حقّا على الله ـ عزّ وجلّ ـ ألاّ يرفع شيئا من الدّنيا إلاّ وضعه".
ألا ما أحوجنا إلى إدراك هذه
المعاني السامية، التي فيها حياتنا، وعزة أمتنا، وامتداد رسالتنا، ووحدة صفنا.
أسألُ الله لنا وللجميع التوفيق
والهداية، ولفريقنا الفوز والريادة..
اللهم اهدنا لأحسن الأعمال
والأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا
وزدنا علما. اللهم وفقنا ووفق شباب المسلمين للعمل بما يرضيك، وجنبنا وإياهم مضلات
الفتن ما ظهر منها وما بطن، واهدنا وإياهم سبل السلام، برحمتك يا أرحم الراحمين..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق