مَا
كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْركُهُ * تَجْري الرّيَاحٌ بمَا لَا تَشْتَهي
السَّفَنُ
هذا البيت ـ
يا صديقي الفاضل ـ: هو ضمن طيبات أبي الطيب المتنبي، القصيدة الشهيرة (بم
التعللُّ)، وقد نسجها المتنبي إثر سماعه لخبر نعيه في مجلس سيف الدولة الحمداني،
فتأثر من ذلك تأثرا بالغا شديدا، نضحتْ به قصيدته المفعمةُ بالإحساس، النابضةُ
بالحزن العميق، المزدانةُ بالحكم. والتي فيها بيت من أجمل أبيات الشوق:
.
ما
في هَوَادِجِكم من مُهجتي عِوَضٌ * إنْ مُتُّ شَوْقاً وَلا فيها لهَا ثَمَنُ
والتي فيها أيضا بيت من أدق أبيات التعريض: .
رَأيتُكُم
لا يَصُونُ العِرْضَ جارُكمُ * وَلا يَدِرُّ على مَرْعاكُمُ اللّبَنُ
.
بم التعـلّل لا أهـلٌ ولا وطـنُ * ولا نديم، ولا كـأس، ولا سـكن
أريد من زمني ذا أن يبلـغني * ما ليس يبلغه من نفسه الزمن
لا تلق دهرك إلا غير مكـترث * ما دام يصحـب فيه روحك البدن
فما يدوم سرور ما سررت به * ولا يـرد علـيك الفائت الحــــزن
بم التعـلّل لا أهـلٌ ولا وطـنُ * ولا نديم، ولا كـأس، ولا سـكن
أريد من زمني ذا أن يبلـغني * ما ليس يبلغه من نفسه الزمن
لا تلق دهرك إلا غير مكـترث * ما دام يصحـب فيه روحك البدن
فما يدوم سرور ما سررت به * ولا يـرد علـيك الفائت الحــــزن
حقا قصيدة
رائعة، لكن وقفتي عند البيت الذي صدّرت به منشوري :
أيها الفاضل: هذا البيت يجسد حالات الكثيرين، وكثيرا ما يرُدَّد في أوقات الشدة والصعاب، وفي حالات الإخفاقات وعدم نيل المراد، فظروف الحياة تأتي عكس ما يتمنى الإنسان، كما أن السَّفن (قبطان السفينة وربانها) يتمنون أن تكون الريح طيبة سهلة ومواتية؛ أي في اتجاه سير السفينة لتدفعها للأمام، لكن كثيرًا ما تكون الرياح مضادة فتعوق مسيرتها، وأحيانًا عاتية مهاجمة قد تصل لتحطيمها.
وهذا دليل ـ أيها النحوي الأديب ـ على حكمة المدبر، إذ لو نال كل متمنّ ما أراد، لفسد نظام الكون لاتفاق العالم على طلب الغنى.
.
ولكن ليس هذا
موضوع حديثي إليك أيها النحوي الأديب، إنما عن
:
أولاـ كلمة
" السفن" فكثيرا ما نسمعهم يقرأونها بضم السين، والأصح السَّفن بفتح
الفاء وليس بضمها ، والسَّفن بفتح الفاء جمع سفَّان، أي: ربان السفينة، لأن
السفينة لا تشتهي، بل السَّفان هو الذي يريد أن تجري الرياح بما يشتهي.. وإن كان
بعضهم جعل هذا من المجاز كما في قوله تعالى:
" وَاسْأَلِ
الْقَرْيَةَ". يوسف: 82.
جاء في مختار
الصحاح: س ف ن: السَّفِينةُ الفُلْك،
والسَّفَّانُ صاحبها، والسَّفِينُ جمع سفينة. قال بن دريد: سفينة فعيلة بمعنى
فاعلة، كأنها تَسْفِنُ الماء أي تقشره،
.
ومعنى البيت: يقول أعدائي يتمنون ولا يدركون ما يتمنون، ويقصد أولئك الذين نَعَوْه وهو حيّ، كما علمت من المناسبة، وإلى ذلك يشير بقوله في رائعته:
.
ومعنى البيت: يقول أعدائي يتمنون ولا يدركون ما يتمنون، ويقصد أولئك الذين نَعَوْه وهو حيّ، كما علمت من المناسبة، وإلى ذلك يشير بقوله في رائعته:
يا مَن نُعيتُ عَلى بُعدٍ بِمَجلِـسِهِ * كُلٌّ بِما زَعَمَ الناعونَ مُرتَــهَنُ
كَم قَد قُتِلتُ وَكَم قَد مُتُّ عِندَكُمُ * ثُمَّ اِنتَفَضتُ فَزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ
ثانيا ـ اعلم ـ أيها الفاضل ـ أنه يجوز في "كلّ" النصب بإضمار الفعل يفسره الظاهر، وهو "يدركه" أي: ما يدرك المرء كلّ ما يتمناه، وهذا هو الاختيار لأجل النفي، كالاستفهام.
ويجوز أيضا الرفع
بالابتداء، وما بعدها خبرها. هذا في لغة تميم، وفي لغة أهل الحجاز رفع لأنه اسم
"ما" وما بعدها خبرها..
ثالثاـ اعلم ـ أيها الفاضل ـ أن في الشعر العربي
هناك ما يسمى عيون الأبيات ودُرَرها، التي تناولها أكثر من شاعر في قصائدهم وشاعت
بين الناس، مثل بيت أبي الطيب هذا، والذي أورده كثير من الشعراء في قصائدهم، أو
ربما صدره، أو عجزه، مثالا على ذلك قصيدة الشاعر: درويش بن محمد أبو المعالي الطالوي،
الذي عاش في الفترة بين 1543 – 1605 في قصيدة له يقول في مطلعها:
سفينة
الحب في بحر الغرام رست * وسيـــرها بـريـاح الحـب مــرتـــهن
فإن تـهـب بــما لا تشــتهي فـلقد * تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
فإن تـهـب بــما لا تشــتهي فـلقد * تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
رابعا: واعلم
ـ أيها الفاضل ـ إن كان شاعرنا في هذا البيت وكأنه يوصينا بأن نرضى بالواقع، وبمثل
هذا القول يتعلل الضعفاء، فإن هناك شاعرا آخر، وبمثل هذه الكلمات، يوصينا بأن نصنع
نحن واقعا، كهذا البيت الذي على الصورة:
تَجْرِي
الرِّيَاحُ كَمَا تَجْرِي سَفِينَتُنَا * نَحْنُ الرِّيَاحُ وَنَحْنُ الْبَحْرُ
وَالسُّفُنُ
رابعا ـ
وبعد، فيا أيها الفاضل: أهمس لك فأقول:
حرّك عزيمتك،
وانهض بحالك، ولتهب ريحك قوية، ولتعلو همتك الثريا، واعلم بأن الله رب العالمين،
مالك الملك، سبحانه يفعل ما يشاء، هو الذي يسخّر الريح، وهو الذي يسخّر الربّان
ويوفّقه، فلا حذق الربان، ولا الريح الطيبة.. فالريح خلق مخلوق من خلق الله، سخرها
الله لغايات عظيمة في هذا الكون، فعليك أن تنسب الأشياء إلى مصدرها ومسببها، وهو
الله، وهذا هو التّوحيد، قل: قدّر الله وما شاء فعل، ولا تقل: تجري الرياح بما لا
تشتهي السفن.
واعلم أن في
الأعاصير والعواصف لا تَثبت إلاّ الجبال، هذه هديتي إليك أيها النحوي الأديب،
والله أسأل لي ولك رشاداً إلى الحقَّ، وثباتاً عليه، وأن يجمعنا سويا في الفردوس
الأعلى، والحمد لله رب العالمين..
كل شراح المتنبي كالعكبري و غيره ضبطوا السُّفن بضم السين ، و إذا كان السفان هو ربان السفينة فأين أجد في القاموس أن جمعها سَفن ؟ أم هو ضرورة شعرية ؟ و لاحظ أنه قال تشتهي و لم يقل يشتهي
ردحذففى الفقرة الأخيرة أراك وقفت على بيت المتنبى وقوفا جامدا يخلو من الفن ومن الشعر والعواكف بل أكاد أجزم أن هذا الكاتب لاعلم له بالشعر ومفهومه والمراد منه ومايرمى به الشاعر . كل ما أقوله لك أن الشعر أعمق وأوسع بكثير مما تظن وليس كل من قرأ فى اللغة صار ناقدا أو ذا علم بالشعر ليفسره بهذا النمط الذى تقشعر له الأبدان . بل لو كنت على دراية بفن الشع لعلمت أن بيت المتنبى أعظم بكثير وإن أعجبك معن الذى يعارضه ولعلمت أيضا أن المعانى هى إحدى الفنون التى تدخل فى تكوين الشعر والذى آلته عدة فنون وعلوم وليس فن المعنى هو الشعر وربما علمت كيف تستحسن المعنى إذا مافضلت بين شاعرين وأيهما إكثر براعة وتأثيرا فى النفس وتعبيرا عن ما يقصده الشاعر وما تحدثه به نفسه
ردحذفوقوف جامد يخلو من الفن و الشعر ..أجزم أن هذا الكاتب لا علم له بالشعر و مفهومه ..و ليس كل من قرأ صار ناقدا ..نمط تقشعر له الأبدان..؟؟
ردحذفما هذا أيها الأديب ، أيصدر مثل هذا الحكم المسبق من أديب ؟ على من لا يعرفه ، إن الإناء بما فيه ينضح ، جمال الأدب في انتقاء الألفاظ ، شعاره و قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ، عليك أن تدلل على أمر فات أمثال العكبري ، و لو تكلفت في ذكر الجواب لكان خيرا من التكلف في ...للأسف ظننت الأدب رحِـمٌ بين أهله ..لم يبق إلا رسمه
من الذي قال إن سفّان يجمع على سَفن ؟ أرجو ذكر ولو مصدر واحد من المصادر اللغوية التي نصت على هذا
ردحذفمشكورا
والقصيدة فيها تعريض خفي بسيف الدولة ، لايخفى على اللبيب ! ..
ردحذفممكن سؤال .. هل تحققت الوحدة العضوية ؟
ردحذفتأتى الرياح أو لاتأتى فلقد أصبح للسفن محركات
ردحذفهههههههههههه
ردحذفان كان السفن هو السفان فلم قال الشاعر الاخر نحن البحر والسُفن بضم السين وكان حري به ان يقول نحن البحر والسَفن بفتحها ان كان المقصود هو ربان السفينة
ردحذفصحيح هو يقصد السفن بضم السين لأنه لو أراد أن يقول السَفن سيقول يشتهي و ليس تشتهي
حذفشكرا اخي الفاضل على هذا التوضيح وبارك الله فيك
ردحذف