الاثنين، 8 ديسمبر 2014

لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل




أما بعد، فقد روي أن المأمون قد وكّل الفراء، يلقّن ابنيه النحو، فلما كان يوما أراد الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه لَهُ، فتبارى أيهما يقدمه ، ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فردا فقدماها، وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر، فرفع ذلك إليه في الخبر، فوجّه إلى الفراء فاستدعاه.  
فلما دخل عليه، قال لَهُ: من أعز النَّاسَ؟.
 قَالَ : ما أعرف أعزُّ من أمير المؤمنين.  
قَالَ : بلى، من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، حتى رضي كل واحد منهما أن يقدم فردا.
قَالَ: يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما من ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقًا إليها، أو أكسر نفوسهما عن شريفة حرصا عليها، وقد يروى عن ابن عباس أنه أمسك للحسن والحسين ركابيهما حين خرجا من عنده، فقال له بعض من حضر: أتمسك لهذين الحديثين وأنت أشرف منهما؟ قال لَهُ: اسكت يا جاهل لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل .  
فقال له المأمون: لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوما وعتبا، وألزمتك ذنبًا، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما وبين عن جوهرهما، ولقد تبينت لي مخيلة الفراسة بفعلهما، فليس يكبر الرجل، وإن كان كبيرا عن ثلاث: عن تواضعه لسطانه ولمعلمه العلم، ولقد عوضتهما عما فعلاه عشرين ألف دينار ولك عشرة آلاف درهم حسن أدبك لهما. ملاحظة: (ورد في كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان أنه: الكسائي).
إنها ـ أيها الأفاضل ـ التربية المفقودة في زماننا هذا..إن  جواب المأمون هذا ليعكس نظرة الإسلام والأمة الإسلامية كلها آنذاك إلى العلم والعلماء، وما كانوا عليه رعاةً ورعيةً من العناية والاهتمام والتعظيم والإجلال للعلم وأهله.
 أيها الأفاضل: إن أدبيات احترام المعلم أكثر من أن تعد أو تحصى في الأدب العربي، ولكنها فقدت في عصرنا ولا حول ولا قوة إلا بالله نعم لا زالت بقية طيبة من الطلاب وأوليائهم يحترمون الأساتذة والمعلمين أعظم الاحترام، لكن الغالبية نراهم وقد انحرف بهم التفكير، وشط بهم سوء الخلق لدرجة التطاول عليهم واللامبالاة بهم.. ولا داعي لذكر الأمثلة.

وللأسف.. نحن في مجتمع مسلم يتواصى بالفضيلة والتأدب مع الغير، فكيف يكون الأمر مع الأستاذ الذي وصف بأنه (كاد أن يكون رسولا). بينما واقع الحال يبعث على الحسرة التي لا يشعر بها إلا من جرب أن يكون معلماً.

فلقد أصبح المعلم اليوم تنطبق عليه أبيات الشاعر إبراهيم طوقان، وهو يعاتب أمير الشعراء إذ سما بمكانة المعلم، و إبراهيم طوقان هو الأدرى كونه عمل معلِّمًا.
          شوقي يقول وما درى بمصيبتي        
اقعد فديتك هل يكون مبجلاً
قم للمعلم وفّه التبجيلا
من كان للنشء الصغار خليلا

وللأسف.. نحن في مجتمع مسلم يتواصى بالفضيلة والتأدب مع الغير، فكيف يكون الأمر مع الأستاذ الذي وصف بأنه (كاد أن يكون رسولا). بينما واقع الحال يبعث على الحسرة التي لا يشعر بها إلا من جرب أن يكون معلماً.
أختم فأقول: لكي ينجح التعليم لابد من صدور وتطبيق الأنظمة التي لا تتساهل مع الطلاب، بل توجب التعامل معهم بحزم وقوة تحفظ للأستاذ مكانته، وللطلاب جديتهم في طلب العلم. أخذا بنصيحة هارون الرشيد لمعلم ولده: "وقوّمْه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدّة والغلظة".
أدعو الله جل وعلا أن يعود للمدارس في الجزائر دورها، ويعرف للمعلم فضله، وأشد على عضدي والخيرين معي كل معلم مخلص رغم الظروف.
فيا أيها المعلمون والأساتذة: أنتم جذوة النار في وسط الظلمة، ناولوا طلابكم من زيتكم قطرة، أنتم الشموس المشرقة في الليل الأسود البهيم، أنتم نور الغد الزاهي، فلترعوا براعمكم حتى تتفتح زهورًا، وفقكم الله في جهادكم، إنا معكم مجاهدون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق