الثلاثاء، 22 يناير 2013

العبرة من قصة الجـــرّة




 

     عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ، وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي بَاعَ الأَرْضَ إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا. قَالَ: فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلامٌ. وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ. قَالَ: أَنْكِحِ الْغُلامَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ، وَتَصَدَّقَا". رواه البخاري ومسلم.
   أيها الأكارم: هل رأيتم في دنيانا من يذهب المرءُ إلى القاضي ليحكمَ في القضية لأخيه لا له، وفى المقابل يأتي أخوه إلى القاضي نفسه لا ليدفع عن نفسه تهمة، وإنما ليدفع حقه لأخيه عن طيب خاطر، ورضا نفس..  
   في دُنيانا مشهدٌ غير هذا مألوف، وموقف معتاد يتكرّر يوميّا، ما أعظم الفرق بيننا وبين هؤلاء!  ما أعظم الفرق بين قوم يرون الحرام عياناً فيتجرؤون عليه ويأكلونه لا يبالون من أين أخذوا المال، أمن حلال أم من حرام، فالحلال ما حل بأيديهم، والطريقة المباحة للكسب ما أملته عليهم أهواؤهم وشهواتهم سواء وافق ما في كتاب الله وسنة رسوله أم خالفه!!..
   لكن في قصتنا العجب كلّ العجب، أن ينشأ الخلاف ويحتدم النقاش بين رجلين، حتى تتعالى أصواتهما، ويترافعا عند القاضي، ليقول كلّ واحد منهما: "إن خصمي هو صاحب الحقّ، وإنه يريد أن يعطيني ما ليس لي" فحقّ للعقل حينها أن تعصف به الحيرة وتأخذه الدهشة.

   ولكن تأمل معي أخي.. لقد كانت البدايةُ مجردَ بيعة يفترقُ بعدها البيّعان، وينتهى الأمر عند هذا الحد، ولكن لأن كلاً من البائع والمشترى أمين وعفيف، فقد تمت البيعة وقد اْلتَأَمَ الشملُ فإذا البيتان بيتٌ واحدٌ، وإذا الأسرتان أسرةٌ واحدة، ويُسدلُ الستار على صورة من الفرح والعرس الجميل.
    لقد استنبط الفقهاء من هذا الحديث مسائل، وفرعوا منه أحكاما تذكر في كتب البيع من دواوين الإسلام، ولسنا بصدد الحديث عنها، والخوض فيها، وإنما مهمتنا من إيراد هذا الحديث شيئان:

   
أولاـ ورع البائع والمشتري، وزهدهما في شيء لا يعلمان حكم الله فيه، وان كلا منهما يرى الحق لصاحبه في شيء لم يدفع ثمنه، ولا ملك له عليه.
     ثانيا ـ عدل الحاكم في حكمه، وأنه عرف الحق فقضى به، فاصلح بين المتحاكمين، والصلح خير.

   
وأخيرا .. تبقى القصة بكل أبعادها وأحداثها، وألفاظها ومدلولاتها تشكّل سِفْراً مفتوحاً لكل قارئ ليأخذ منها الدروس ويستلهم منها العبر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق