السبت، 26 يناير 2013

..إن الدينَ فعلٌ وتركٌ، وعملٌ وكفٌّ

 
   الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.

       وبعد، فإنّ كل متابع منا يرى ما يحصل من مظاهرات حاشدة صاخبة في العالم الإسلامي، وما كان وما يكون لها من تداعيات فظيعة عظيمة. تهييجٌ للناس، وتدميرٌ للممتلكات، وتخريبٌ للمنشآت، وترويعٌ للآمنين. وتسهيلٌ لدخول بعض اللصوص والمنحرفين في هذه المظاهرات للسرقة والنهب وتخريب الكثير من الممتلكات، بالإضافة إلى نشاط المرجفين ودخول المخربين في مثل هذه الأحداث، وهم يندسون في الصفوف لإحداث الفساد في الناس، ولضرب بعضهم ببعض.

     أقول: إنّ كلّ من يرى ذلك، لا بد أن يستحضر أن الإسلام شرع بل أوجب على الأمة إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله. فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله.

    لقد كفل الإسلام حريِّة الرأي والتعبير بمفهومها الإسلاميّ، وحرية الرأي والتعبير تعني: 
    تمتّع الإنسان بكامل حريته في الجهر بالحق، وإسداء النصيحة في كل أمور الدين والدنيا، فيما يحقق نفع المسلمين ويصون مصالح كلٍّ من الفرد والمجتمع، ويحفظ النظام العام، وذلك في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومع اهتمام الإسلام بحرية الرأي والتعبير.
     إلاَّ أنَّه قد حرص على عدم تحريرها من القيود والضوابط الكفيلة بحسن استخدامها، وتوجيهها إلى ما ينفع الناس ويرضي الخالق - جل وعلا -، فهناك حدود لا ينبغي الإجتراء عليها، وإلا كانت النتيجة هي الخوض فيما يغضب الله، أو يلحق الضرر بالفرد والمجتمع على السواء، ويخل بالنظام العام وحسن الآداب.

    فا أُخّيَّ: هل ترضى وتحب أن يُدَمَّرَ متجرك، أو تُكَسَّرَ سيارتك، أو تُعَطَّلُ مصالحك؟.  إنّ صادق الإيمان لا يرضى ذلك لنفسه ولا يرضاه لغيره..
ليس الشجاع الذي يحمي فريسته عند النِّزال ونار الحرب تشتعل
لكن من غـضّ طرفا أو ثنَى قدماً   عن الحرام فذاك الدّارِع البطل

   فالإسلام ليس محضَ صلاةٍ وصيامٍ، وتلاوةٍ وتسبيحٍ، وحجٍّ وصدقةٍ، وغيرِ ذلك من عبادة بدنية أو مالية فحسب. ولكنه طاعة لله فيما أمر ونهى. وتركُ الذنوب واجتنابُ المعصية، أحبُّ إلى الله من عبادة الطائفين والعاكفين والركع السجود.
   
   ويا رعاكم الله: لقد عَلمتم ما جاء في الظلم من الوعيد الشديد، وأن حقوق الناس عند الله في ديوان لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.  وإذا علمتم . وتأملتم نصوص الكتاب والسنة، وجدتُّم أن الأوامرَ محضَ تعبُّدٍ وتقربٍ إلى الله الغني عما سواه، مع أنها لا تخلو من مصلحة دنيوية عاجلة، ولأجر الآخرة أكبر، و ثوابها أعظم. أما النواهي فإنها لم تشرّع إلا ليسودَ الأمن، ويُحفظَ النظام، وتحيا الفضيلة، وتُصانَ الحقوق والأموال. قال صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ". رواه البخاري عن عبد الله ابن عمرو.
  
      فهذا الحديث يبيّن أنه لا يتمّ إسلامُ مدّعٍ إلا بكفِّ الأذى عن الناس، وتركِ ما حرم الله. ولا شك أن المرء قد يعتدي على غيره بعينه أو أذنه أو رجله، أو فرجه. ولكن أكثر ما يكون الأذى باليد، التي هي آلة الفعل، واللسان الذي هو آلة القول. قال تعالى: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا".الأحزاب:58.

      ألا فاتقوا الله، واحذروا أولئك الذين ينفخون في الفتن، مَن يُعطون لأعداء الأمة والدين ذرائع الإتهام للإسلام بالعداوة، والتمسوا النجاة من فتن الدنيا وعذاب الآخرة بإتباع أوامر الله، واجتناب معصية الله، تكونوا في رعاية الله.

    وبعد، فقد قلتُ ما قلتُ، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفرُ الله إنه كان غفَّارًا. 
     اللهم إنا نسألك أن تعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وألا تجعلنا من المغترين المغرورين يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم احقن دماءهم، وآمنهم في أوطانهم، وأرغد عيشهم، واجمعهم على الحق والهدى يا رب العالمين. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المسلمين، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، وصل اللهم وسلّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق