الثلاثاء، 22 يناير 2013

برجك اليوم





  حينما أراد أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتالَ الخوارج، اتَّفق المنجِّمون على أنَّه إن خرج في ذلك الطالع قُتِل وهُزِم جيشُه، فإنَّ القمر كان إذ ذاك في العقرب، فخالفهم علي وخرج؛ ثقةً بالله، وتوكُّلاً عليه، وتكذيبًا لقول المنجِّمين، فما غَزَا غزاةً بعد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أتمَّ منها، قَتلَ عدوَّه، وأيَّده الله عليهم بالنَّصر والظفر بهم، ورجع مؤيَّدًا منصورًا، والقصة معروفة في السير والتواريخ.

ويحكى أيضا انه في زمن الخليفة المعتصم بالله العباسي، تم الاعتداء على امرأة مسلمة في بلدة (زبطرة) من اعمال عمورية في بلاد الترك، فنادت المرأة بصوت عال: "وامعتصماه".  فتناقلت الالسن الخبر حتى وصل الى الخليفة المعتصم، فأقسم بالله ان يفتح عمورية، فنصحه العرافون والكهان بأن لا يفعل، لان عمورية لن تفتح الا في أوان نضج التين والعنب، فتوكل على الله وتوجه الى عمورية وفتحها، وفى ذلك يقول أبو تمام في قصيدته العصماء يعرض فيها لدجل المنجمين وكذبهم.

السَّـيْـفُ أَصْــدَقُ أَنْـبَــاءً مِـــنَ الـكُـتُـبِ .. فِـي حَــدهِ الـحَـدُّ بَـيْـنَ الـجِـد واللَّـعِـبِ
بيضُ الصَّفَائِحِ لاَ سُـودُ الصَّحَائِـفِ فِـي .. مُـتُـونِـهـنَّ جــــلاءُ الــشَّـــك والــريَـــبِ
والعِـلْـمُ فِــي شُـهُـبِ الأَرْمَــاحِ لاَمِـعَـةً .. بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافِي السَّبْعَةِ الشُّهُبِ
أَيْــنَ الـروايَـةُ بَــلْ أَيْــنَ النُّـجُـومُ وَمَـــا .. صَاغُـوه مِـنْ زُخْـرُفٍ فيهـا ومــنْ كَــذِبِ
إلى أن قال:
وخَوَّفُـوا الـنـاسَ مِــنْ دَهْـيَـاءَ مُظْلِـمَـةٍ .. إذَا بَــدَا الكَـوْكَـبُ الْغَـرْبِـيُّ ذُو الـذَّنَــبِ
وَصَــيَّــروا الأَبْـــــرجَ الـعُـلْـيــا مُـرَتِّــبَــةً .. مَـــا كَـــانَ مُنْقَـلِـبـاً أَوْ غــيْــرَ مُـنْـقَـلِـبِ
يقـضـون بـالأمـرِ عنـهـا وهْــيَ غـافـلـةٌ .. مـادار فِــي فـلـكٍ منـهـا وفِــي قُـطُـبِ
 لــو بيَّـنـت قـــطّ أَمـــراً قـبْــل مَـوْقِـعِـه .. لــم تُـخْـفِ مـاحـلَّ بـالأوثـانِ والـصُّـلُـبِ
فَـتْـحُ الفُـتـوحِ تَـعَـالَـى أَنْ يُـحـيـطَ بِـــهِ .. نَظْـمٌ مِـن الشعْـرِ أَوْ نَثْـرٌ مِـنَ الخُـطَـبِ
فَـتْــحٌ تـفَـتَّــحُ أَبْــــوَابُ الـسَّـمَــاءِ لَــــهُ  .. وتَـبْـرزُ الأَرْضُ فِــي أَثْـوَابِـهَـا الـقُـشُـبِ
يَــا يَـــوْمَ وَقْـعَــةِ عَـمُّـوريَّـةَ انْـصَـرَفَـتْ .. مِنْـكَ المُنَـى حُـفَّـلاً مَعْسُـولَـةَ الحَـلَـبِ
أبقيْـتَ جِـدَّ بَنِـي الإِسـلامِ فِــي صَـعَـدٍ .. والمُشْرِكيـنَ ودَارَ الشـرْكِ فِـي صَبَـبِ

   وإن لنا في أيام الناس هذه من ذلك أشكالا وألوانا، فها أنت ترى ترهات، وتسمع الرجم بالغيب من أخلاء الشياطين.. ما قنع هؤلاء بما أخبرتهم به رسلهم من غيوب ماضية، وغيوب آتية، وزعموا أن لبعض البشر قدرة وملكة على معرفة الغيب.. ألا وإن شر البلية ضلال بعد الهدى، وعمًى بعد البصيرة.

     فمن ذلك ما يُنشر في بعض وسائل الأعلام المكتوبة والمقروءة على اختلافها بما يسمى بالأبراج، أو حظك هذا الأسبوع، أو أنت والنجوم، أو حظك هذا الأسبوع، وما إلى ذلك من عناوين براقة،  يزعم فيه المنجمون أن من وُلد في برج كذا فإنه هذا الأسبوع سوف يخسر، أو من ولد في برج كذا فسوف يربح، إلى غير ذلك من الافتراءات، وكل ذلك من الشرك الأكبر.
   التنجيم مأخوذ من النجم، وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، بمعنى أن يربط المنجم ما يقع في الأرض، أو ما سيقع في الأرض بالنجوم بحركاتها، وطلوعها، وغروبها، واقترانها، وافتراقها وما أشبه ذلك، وهو نوع من السحر والكهانة وهو محرم، لأنه مبني على أوهام لا حقيقة لها، فلا علاقة لما يحدث في الأرض بما يحدث في السماء.    

   ألا إنّ التنجيم داءٌ من أدواءِ الأمَمِ قَديمًا، ومُشكلةٌ من مُشكلات العصرِ حديثًا. إنه الدجل والشّعوذة وادعاء معرفة الغيب، ولَشَدَّ ما يؤلمني  ويؤلم الذي يعتز بثقافة دينه وهويته العقدية، هو استنساخ ذلك على الطريقة الغربية!.

   فقراءة الأبراج تخرّصٌ بلا علم، وتقحُّمٌ لما استأثر الله بعلمه. فإستدلال بالأبراج على السعد أو النحس، أوعلى مدد الأعمار، أوعلى قسمة الأرزاق، أوالزواج والطلاق، أوالغنى والفقر، والتوفيق والخذلان، وما شابه ذلك، فما ذلك من محض الرجم بالغيب، والتخرص بما استأثر الله بعلمه. وإنه لمن السحر، والسِّحرُ كبيرةٌ من كبائر الذُّنوب،  فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "ما اقتبس رجلٌ عِلمًا من النُّجوم إلاَّ اقتبس بها شُعبةً من السِّحر، ما زاد زاد"؛ رواه الإمام أحمد (2001)، وغيره بإسناد صحيح.   

 فهلا تأملت معي إلى هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كيف خاطبه الله، بل وأمره أن يخبر الناس بأنه لا يعلم الغيب: "قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ". الأعراف: 188 .
    
  والعجيب أنك تجد بعض الجهلة مولعين بقراءة هذه الأبراج، فيقول: أنا برجي كذا، وولدت في برج كذا، فما هو حظي، وماذا سيحصل لي؟ .. فيبحث في الصحف والمجلات، ألا يعلم المسلم أن ذلك حرام.. لا تجوز  قراءتها ولا نشرها، حتى ولو كانت على سبيل المزاح والترويح على النفس، أو لم يؤمن القارئ بها، أو كان ذلك من باب الفضول؛ لأن قراءتها منفذ من منافذ الشيطان، قد تجر إلى الإيمان بما فيها، وقد جاء الإسلام ليحرر الناس من الأوهام والأباطيل وأمرهم باحترام الأسباب، التي بُني عليها الناموس الكوني، مع الإيمان والعلم أن الأسباب لا تعمل إلا بإذنه سبحانه وتعالى.
   ولله درّ الإمام الخطيب حينما قال: "وإن أناساً جهلةً بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانةً: من أعرس بنجم كذا وكذا؛ كان كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا وكذا؛ كان كذا وكذا.. ولعمري؛ ما من نجم إلا يولد به الأحمرُ والأسودُ والطويلُ والقصيرُ والحسنُ والدميمُ، وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر بشيء من هذا الغيب، ولو أن أحدا علم الغيب؛ لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء.." أ.هـ.
   
   والمتدبر لآيات القرآن الكريم يجد أنه لا جدوى من محاولة معرفة الغيب، إذ هذا العلم من اختصاص الله علّام الغيوب، ولا سبيل إلى معرفته بأي طريقة كانت، يقول سبحانه: "إِنَّ ألله عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلاْرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ". لقمان:34.  ويقول سبحانه وتعالى أيضاً: "أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِى كَفَرَ بِـئَايَـٰتِنَا وَقَالَ لاَوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً". مريم:77-78 . في هاتين الآيتين الكريمتين دليل قاطع على عدم إمكانية الإنسان الاطلاع على الغيب. لكن قد يُطلع اللهُ بعضَ رسله من الآدميين والملائكة على بعض الغيب؛ قال تعالى: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا". الجن: 26 – 27 ، فما عَدَا مَن شاء الله من رسله لا يَطَّلعون على شيء من الغيب، مهما بلغوا من الصلاح والتُّقَى، فغيرهم مِن الفُسَّاق والفجَّار مِن باب أَوْلى. 

   فالحذر الحذر..  فإن الأمر خطير، وعلى المؤمن أن يحفظ عقيدته وإيمانه، وماذا عنده أغنى من الإيمان والتوحيد، فليعضّ على ذلك بالنواجذ. ولا يعرّض أحدكم دينه للخطر بدعوى حب الاستطلاع والثقة في نفسه أنه لن يتأثر بما يسمع أو يرى أو يقرأ، فهذا من الغرور البالغ فإن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة.
    والله المسئول أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء، وأن يحفظ عليهم دينهم، ويرزقهم الفقه فيه، والعافية من كل ما خالف شرعه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق