الخميس، 31 يناير 2013

اذا كان الطباع طباع سوء


 
    التصنع وإخفاء الخلق أو الخليقة والظهور بمظهر مغاير، مرض من الأمراض النفسية، وهي آفة اجتماعية مهلكة. فهناك من يعتقد في قرارة نفسه بأنه يستطيع أن يخفي طبيعته على الناس وذلك بأساليب ثعلبية ماكرة..  

   ولكنهم قالوا وصدقوا: "الطبع يغلب التطبّع".  فلابد أن ينكشف هذا على حقيقته، ويعود إلى طباعه وأخلاقه التي نشأ وتربى عليها منذ صغره، طال الزمان أو قصر..  
قال الشاعر:

ومهما تكن عند امرئ من خليقة..وإن خالها تخفى على الناس تعلم

   روى البيهقي في شعبه عن الأصمعي قال: دخلت البادية فإذا أنا بعجوز بين يديها شاة مقتولة، وجرو ذئب مُقْعٍ، فنظرت إليها، فقالت:  أتدري ما هذا؟ قلت: لا . قالت: جرو ذئب أخذناه وأدخلناه بيتنا، فلما كبر قتل شاتنا، وقلت في ذلك. قلت: ما هو؟.  فأنشدت:  

بَقَرت شويهتي وفجعت قومي.. وأنت لشاتنا ابن ربيب
غذيت بدرّها وربّيت فينا.. فمن أنـــــباك أن أباك ذيب
إذا كان الطباع طباع سوء ....فلا أدب يفيد ولا حليب

فيا أُخَيّ: أوصيك... أوصيك.. لا تَخُن من أحسن إليك مهما كانت الظروف...

..لا تجعل لسانك يحمل رصاصة




  إنَّ من الناس من يعيشُ صفيقَ الوجِه، شَرِسَ الطبع، مُنْتِنَ الفَمِ، خبيثَ اللسانِ، لا يحجُزُه عن كلامِ السوءِ حاجزٌ، ولا يعرفُ للحُسْنِ سبيلاً..

  
اعلم يا هذا: إن القسوة والجفاف وبذاءة اللسان لا تجعلك إنساناً محترماً. بل تجعل قلبك مستودعا للكره والحقد والحسد والظلام..

  
لا تحاول أن تُضحك الآخرين بسخرية من هذا الشخص أو ذاك. كن قلباً وروحاً تمر بسلام على الدنيا. . حتى يأتي يوم رحيلك إلى الآخرة . . 
  عوِّد لسانك ـ أُخي ـ  أن يقول حسنا .. كما أوصاك ربك: "وقولوا للناس حسنا"، قال أهل العلم: (والقول الحسن يشمل: الحسن في هيئته؛ وفي معناه، ففي هيئته: أن يكون باللطف، واللين، وعدم الغلظة، والشدة، وفي معناه: بأن يكون خيراً؛ لأن كل قولٍ حسنٍ فهو خير؛ وكل قول خير فهو حسن). وقال تعالى: "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن". فلا تجعل لسانك يحمل رصاصة . . تغتال بها كل الجمال حولك..

   وانظُر كم كان الصالحون يتعهدون ألسنتهم، فيحرصون على اختيار الألفاظ والكلمات التي لا يندمون عليها..
 هذا أبو بكرٍ الصِّديقُ -رضي الله عنه- كان يضع حصاةً في فِيهِ يمنع بها نفسه عن الكلام، وكان يشير إلى لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد.
وكان ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- يقول: يا لسانُ! قُلْ خيرًا تغنمْ، واسكتْ عن شرٍّ تسلمْ قبل أن تندمَ، والله الذي لا إله إلاّ هو ما شيء أحوج إلى طول سجنٍ من اللسان.  
ورأى عيسى عليه السلام خنزيرا فقال: مر بسلام ، فقيل له: تقول هذا لخنزير؟ قال أعود لساني الخير.
أما العلامة تقي الدين السبكي فسمع ولده العلامة تاج الدين يقول لكلب: يا كلب بن كلب، فنهاه عن ذلك فقل: أليس كلب بن كلب؟ فقال: شرط الجواز عدم التحقير. فقال تاج الدين: هذه فائدة.

   ألا فاعلم ـ يا أُخَيّ ـ إِنَّ الكلمات هي التُّرجمانُ المعبِّرُ عن مستودعات الضمائر، والكاشفُ عن مكنوناتِ السرائرِ، واللسانُ هو الميزانُ الذي يُوزَنُ به الناسُ، والمعيارُ الذي تُعرفُ به أقدارُهُم. قال الإمام يحيى بن معاذٍ التَّابعيُّ: "القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلَّم، فإنَّ لسانه يغترف لك مما في قلبه".
    واعلم ـ أبضا ـ إن تطهير اللسان من الآفات، والتثبُّت قبل القول، ووزن الكلام قبل التّكلم به أمرٌ ذو شأنٍ، إذ به تُضمن الجنّة كما قال النّبيّ -صلّى الله عليه سلم: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنّة". رواه البخاري .
   فاتقوا الله رحمكم الله، واحفظوا ألسنتكم، وطهروها من الخبث والخبائث، واجعلوها رطبة بذكر الله تعالى وطاعته.

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق