العالم اليوم يعج بالأفكار، بالأطروحات،
بالمذاهب، بالأديان، بالملل، بالنحل، بالعقائد، بالمناهج، بالطرق. و"الذين لا
يقرأون التاريخ ولا يعونه، هم المحكوم عليهم بتكراره ".
فيا
أُخَيَّ: كيف تنظر إلى الواقع؟.
بناءً
على ماذا تقوّم وتقيمّ الأفراد والجماعات والأمم والمجتمعات؟.
نظرتك مبنية على ماذا تخطئةً وتصويبا، موالاة ومعاداة، مخالفة
وموافقة، رضا وسخطا؟.
بناء على
ماذا تُسر وتَحزن؟، بناء على ماذا ترضى وتسخط؟، بناء على ماذا تعطي وتمنع؟، بناء
على ماذا توافق وتخالف؟.
تجد بعض
الناس يميل مع القوي، يغير ويبدل، يغير نحلته، ملته، دينه، منهجه. لماذا؟.
أين الوفاء؟.
ألا إن
هناك أسئلة كثيرة، ولكن إليكم هذه المأثرة التي لا تُنسى .
لما رأى المعتمد بن عباد، وكان من ملوك دول
الطوائف بالأندلس، رأى ما حلّ بالمدن من حوله، وسقوطها الواحدة تلو الأخرى في يد
الفونسوا ملك النصارى، رأى أن يستنجد بالإمام الصالح يوسف بن تاشفين رحمه الله من
المغرب، فقال له أحد وزرائه: لكنه إذا أنجدك أخذ ملكك، إذا أنجدك ودخل معك وتغلّبت
على ملك قشطالة، يكون هو الأقوى، فسوف يسحب منك الملك، فقال المعتمد بن عباد
كلمته المشهورة: لأن أكون راعي إبل عند ملك من ملوك المسلمين، خيرٌ لي من أن أرعى
الخنازير عند ملك قشطالة. (قال ذلك كناية عن تفضيله للسيادة الإسلامية).
لأن أكون
راعي إبل عند يوسف بن تاشفين أحب إلي من أن أكون راعي خنازير عند الفونسوا، وهكذا
حصل فعلاً، وكان في ذلك خير للمسلمين. فآه.. ثم آه..
كُنَّا هَطِيل الغيث ما سُقيت بنا ** أرضٌ
فماتت بعدنا الأزهارُ
ألا إن التوحيد هو
المنظار حتى الذي ننظر به من خلال حياتنا الاجتماعية، إننا نعيش اليوم في وقت
أفكار متباينة، وقوى متصارعة، ومصالح متقاطعة، وفلسفات شتى؛ وتقارب وتباعد، فمن هم
القوم الذين أنت تقترب منهم وتبتعد عنهم، وتحبهم وتكرههم، قال تعالى: "لا
تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ
حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ" المجادلة:22 .
فالمؤمن يجب عليه حبّ وموالاة المؤمنين
وإن ظلموه، وكره عقيدة الكفار وأقوال وأفعال المنافقين وإن أحسنوا إليه، قال
تعالى: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ". المائدة 55
وبعد، فلا نطيل بذكر قلة إفادتنا من الأحداث
فهي لا تحتاج لدليل، ولكن التذكير بسنة الله واجب، والتدارك ممكن، والمؤمن مأمور
بأن يدفع القدر بالقدر، لا أن يعجز ويتواكل، والفرصة أمامنا كبيرة جداً لاستثمار
الحديث في تقويم المسيرة واستكمال عدة النصر والتمكين.
عسى أن
يكون فيما ذكرت عبرة لأولي الألباب. وختاماً أسأل الله الكريم رب العرش العظيم، أن
ينفعني وإخواني بما نسمع وما نقول، وأن يقرّ أعيننا بنصرة دينه وإعلاء كلمته، وأن
يجعلنا هداة مهتدين، والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق