الخطاب النظري قد يحدث أثرًا في نفوس السامعين،
ولكن ربما لا يُتَرْجَمْ إلى عمل، بل القدوة المنظورة الملْمُوسَةُ هي التي تعلق
المشاعر، ولا تتركها تهبط إلى القاع، وتسكن بلا حِرَاكٍ، بل سَرْعَان ما
تُتَرْجِمُها إلى عمل..
فلننظر
لما اقترن الأمر بممارسة الفعل، سَهُلَ الإمتثالُ والتنفيذُ. ومن السيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بيانُ
ذلك:
ففي صلح الحديبية لما فَرَغَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قضية الكتاب -يعني الصلح- قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، فلم يقم منهم رجلٌ، حتى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك ثلاث مرات، فلم يقم أحدٌ، فدخل على أم سلمة -رضي الله عنها- فأخبرها الخبر، فقالت له: اخْرُج ثم لا تُكَلم أحداً منهم كلمةً حتى تنحر بُدْنَكَ ، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يكلم منهم أحداً حتى فعل ذلك، فلما رأوا فعله صلى الله عليه وسلم قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً. {تفسير ابن كثير، {4/198
إلى
هنا أقول لكم: إن أسلوب
التربية بالقدوة، قد يكون أسلوبا أصليا مستقلا بذاته في إيصال كثير من الأخلاق،
وقد يكون مكملا للوسائل الأخرى ومؤيدا لها، كما ثبت في الحديث أن النبي صلى الله
عليه وسلم أمر الصحابة بالإفطار في رمضان يوم الفتح فتردد بعض الناس، "فدَعَا
بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ"،
(رواه مسلم). فجمع صلى الله عليه وسلم بين القول والفعل، والجمع بين الأمرين مهم
جدا..
فهل يصلح يا ترى أن يأمر الوالد ابنه بالصلاة، وهو يراه يتهاون في شأنها ويؤخرها
عن وقتها؟.
أو يأمره بالصدق وهو يراه يكذب؟...
إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي..
لا بدّ، لا بدّ.. للمربي إذا أمر
بفضيلة أن يكون سباقا إلى التحلي بها، وإذا نهى عن رذيلة فلا بد أن يحذر من
اقترافها.
ألخّص فأقول: ما كانت الدعوة الإسلامية في عصر من العصور، أحوج إلى هذا
النمط من التربية بالقدوة منها في هذا العصر.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق