السبت، 2 فبراير 2013

إِنَّ الكِرَامَ إِذَا مَا أَيْسَرُوا



في يوم من الأيام جاءت عجوز من صويحبات خديجة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد موتها، فأحسن النبي صلى الله عليه وسلم لقاءها، وأكرم مثواها وبسط لها رداءه فأجلسها عليه، وصار يسأل عن أحوالها وما صارت إليه، فقالت عائشة لما خرجت: تُقبِل على هذه العجوز هذا الإقبال، فقال: "إنها كانت تأتينا أيام زمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان". ر واه الحاكم والبيهقي في الشعب.   

    أيها الأكارم: إن الإخوان والأصدقاء يعرَفون عند الحوائج، فمنَ الوفاء للصديق أن لا تتغيَّر حالك في التواصل معه، وإِن ارتفع شأنك، وَاتّسعت ولايتك، وعظم جاهك، فالتّرفّع على الإخوان بما يتجدّد منَ الأَحوال لؤم، لأن الناس في الرخاء كلّهم أصدقاء، وشر الأصدقاء الخاذل لإخوانه عند الشدّة والحاجة. كما أن الزوجة تختَبر عند الفقر.
 قال أبو تمام:
  إِنَّ الكِرَامَ إِذَا مَا أَيْسَرُوا ذَكَرُوا..مَنْ كَانَ يَأْلَفُهُمْ فِي الْمَنْزِل الْخَشِنِ
    ضجر الحسن بن الحسين من امرأته يوماً، فقال لها: أمرك في يدك، أي: إذا أردت أن تطلقي نفسك فطلقي الآن، فقالت: أما والله لقد كان الأمر في يدك عشرين سنة فحفظته، أفأضيعه أنا في ساعة صار في يدي، قد رددت إليك حقك، فأعجبه قولها، وأحسن صحبتها.
     أقول هذا: لأن هناك من إذا صار ذا مرتبة، ورفعة وغنى؛ تنكر للأصحاب واستغنى عنهم. وقديما قال الأولون: "الصديق وقت الضيق".
ولا خير في خلّ يخون خليله ** ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده ** ويظهر سراً كان بالأمس قد خفى
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا

    تذكر يا صديقي: أنه جاء في صحيح البخاري، أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ في أُسَارَى بَدْرٍ" : لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِىٍّ حَيًّا، ثُمَّ كلمني في هَؤُلاَءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ"، وذلك لأن المطعمَ بنَ عدي أجار النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكة قبل الهجرة، فانظر إلى عظم الوفاء حتى مع المشرك.
     وتدبرـ يا صديقي ـ معي في قصة يوسف عليه وعلى نبينا السلام وهو يستقبلأهله أحسن استقبال، لم يتنكر لهم كما يتنكر كثير من المخذولين في أزماننا، فثَمَّ مخذولون إذا أولاهم الله مناصباً، أو أولاهم الله جاهاً، أو أعطاهم الله مالاً، يستنكرون لأصدقائهم وأهليهم، وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون. فثم فرق بين رجل صالح قلده الله منصباً، فأتى إليه صديقه أو أحد أقاربه، فقام بإكرامه وإنزاله منزلته اللائقة به، وبين شخص منكر للصداقة والقرابة.
       فيوسف عليه السلام كان من الصالحين، وهو يعلمنا كيف يكون الأدب مع الأهل والأصدقاء والإخوان.
    وتذكر ـ يا صديقي ـ أنه: لما أوتي سليمان عليه السلام ما أوتي من الملك والعلم، وفوقها النبوة؛ سخر الله له الجن يعملون له ما يشاء، والريح والطير، فماذا قال؟. "قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ". (النمل:40).

     فليكن هذا هو موقفك. تذكّر ذلك أيها الفاضل، واجعله نبراساً لحياتك، ومنهجًا في مسيرتك، والله يوفقني وإياك لذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق