بهذه
الخطوط الشريفة التي رسمها النبي صلى الله عليه وسلم على الأرض الرملية، من أجل التعليم والتفهيم والتقريب، اكتملت لوحة من الفن التجريدي، والتي بيَّن فيها
صلى الله عليه وسلم بما رسمه، كيف يحال بين الإنسان وآماله الواسعة، بالعلَل
والأمراض المقعدة، أو الهرم المفني، أو بالأجل المباغت.. وفي هذا إشارة إلى الحضّ على قصر الأمل، والاستعداد لبغتة الأجل..
روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله
عنهما قال: خَطَّ النَّبِيُّ صلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَطًّا
مُرَبَّعاً، وَخَطَّ خَطاًّ فِي الوَسَطِ خَارِجاً مِنْهُ، وَخَطَّ خِطَطاً
صِغَاراً إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الوَسَطِ،
وَقَالَ: "هَذَا الِإنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ -أو قد أحاط
به - وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ
الخِطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ
أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا".
ها هو ذا
الإنسان الضعيف، تغزوه الأغراض، غزوا فيه إلحاح: عدوى، أو سرطان، أو حريق، أو غرق، أو
زلق، أو سقوط، أو اصطدام، أو لدغة، أو تسمم طعام، أو طلقة طائشة. فإن نجا من كل
ذلك، كان له في الهرم، وضغط الدم، وارتفاع نسبة السكر. "إن أخطأه هذا نهشه هذا"..
هكذا هو حال
الإنسان من يوم أن يولد، الى يوم أن يموت، وهو عرضة للمصائب والأنكاد. قال تعالى:
"لقد خلقنا الإنسان في كبد". فإن طال النفس، اقتص منه الموت.
قال الله تعالى: "قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه
ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون". روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منية، وإن أخطأته المنايا وقع في
الهرم".
فاللهم أيقضنا من سَنَة الغفلة، ووفقنا
للتزود ليوم النقلة، اللهم ارحم غربتنا في القبور، وآمنا يوم البعث والنشور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق