الأربعاء، 27 فبراير 2013

ادفع بالتي هي أحسن



لا تجعل قلبك مستودعا للكره والحقد والحسد والظلام ..
لا تجعل لسانك ينطق بالسب واللعن وبكل أنواع الألغام ..
لا تـنظر إلى من حولك بأكثر من ابتسامة تجتاز المسافات . . وتخترق حواجز الصراع... تعلم فنّ التسامح .. وعش بمنطق الهدوء .

واسمع ما رواه الإمام مالك رحمه الله في الموطإ عن يحيى بن سعيد، أن عيسى بن مريم ـ عليه وعلى نبينا السلام ـ لقي خنزيرا بالطريق، فقال له : انفذ بسلام، فقيل له : تقول هذا لخنزير ؟ فقال عيسى: إني أخاف أن أعود لساني، بالنطق بالسوء ...
ورحم الله القائل:

عود لسانك قول الخير تحظ به ** إن اللسان لما عودت يعتاد


روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَهْوِي بِهَا فِي النَّار أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المشرِقِ والمغرِبِ".
وفي رواية الترمذيِّ: "إنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبعينَ خَرِيفًا".

قال محمود الوراق:

سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب.وإن كثرت منه عليّ الجـــــــــــــرائم
وما الناس إلا واحـد من ثلاثـــــــــــــــــــــــــة.شريف ومشروف ومثلى مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف قـــــــــــــــــــــــــــدره.واتبع فيه الحـق، والحـــق لازم

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ" .

إنه موقف رهيب، وحلم عجيب، وبهاء وروعة، وسمو وتواضع, مصدره إيمان وحلم يزين جبين الرحمة المهداة، والمنة المسداة، لهذه البشرية الحائرة التي كانت قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- لا تعرف ما معنى الرحمة ولا ما معنى الخلق.
إن في هذا معلم نوراني للسالكين، وبرهان رباني لشحذ همم السائرين، يرشدهم إلى الخلق الذي يستوعبون به الناس؛ لينقلوهم من ضيق النفوس إلى سعة القلوب والصدور..

فبالله عليكم لو كانت هذه المعاني مستحضرة في واقعنا وواقع تعاملنا مع الذين نعيش بينهم، كيف سيكون حالنا؟

  اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام.

الجمعة، 22 فبراير 2013

أليستِ الحاجة ماسّة إلى هذا الدواء؟



  قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: "والصحيح المشهور أنه إذا نزلت نازلةٌ كعدوٍّ وقحطٍ ووباءٍ وعطشٍ وضررٍ ظاهرٍ بالمسلمين ونحو ذلك، قنّتوا في جميع الصلوات المكتوبات".
  
القنوت: يطلق على معان منه: القيام والسكوت ودوام العبادة والدعاء والتسبيح والخشوع وغير ذلك، ولكن المراد به هنا: الدعاء في الصلاة في محل مخصوص.  
  والنوازل: في اللغة جمع نازلة، وهي الشديدة من شدائد الدهر، تحصل وتقع..
  وقنوت النوازل: هو الدعاء في النوازل التي تنزل بالمسلمين لدفع أذَى عدوّ، أو رفعه، أو رفع بلاء، ونحو ذلك. وهو من الأمور المشروعة في الصلاة، بل هو من السنن الثابتة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم.  
  فإذا نزل بالمسلمين نازلة، كوباءٍ أو مطرٍ يضرّ بالعمران والزرع، أو خوفِ عدو، أو أسْرِ عالم، أو عدوان أو قتال بين المسلمين، شرع لهم القنوت في الركعة الأخيرة من جميع الصلوات المكتوبات قبل الركوع أو بعده.. على خلاف بين الفقهاء ليس هنا كبير فائدة لذكره.

  
جاء في الصحيحين عن أَنس رضي اللَّه عنه قال: "بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ رَجُلًا لِحَاجَةٍ يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ، فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: رِعْلٌ وَذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ مَعُونَةَ. فَقَالَ الْقَوْمُ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا، إِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلُوهُمْ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، وَذَلِكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ". رواه البخاري.
  وعنه، رضي اللَّه عنه: "أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ. قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ: "بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا". رواه البخاري.  
  وعنه وعن أنس رضي الله عنهما: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَّتَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الأخِيرَةِ فِي صَلَاةٍ شَهْراً: "اللَّهُمَّ أنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الوَلِيد، اللَّهُمَّ أنْجِ سَلَمَةَ بَنَ هِشَام، اللهُمَّ أنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَر، اللَّهُمَ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِّي يُوسُفَ". متفق عليه. إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار الكثيرة المشهورة.
   قال ابن تيمية رحمه الله: "القنوتُ مسنونٌ عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين". (مجموع الفتاوى 23: 108).
بل إن كثيرا من أهل العلم قالوا بوجوب قنوت النوازل، وقالوا إنه فعل الأئمة، فقد ذكر ابن عبد البر في الاستذكار 6/202 بسنده عن يحي ابن سعيد أنه كان يقول: "يجب الدعاء إذا وغلت الجيوش في بلاد العدو (يعني القنوت) قال: وكذلك كانت الأئمة تفعل".

  فإذا كان ما يحصل في علمنا الإسلامي اليوم ليس بنازلة، فما النازلة إذن؟.

  إنها فتن تزلزل القلوب وتحير العقول، ولا يسلم من شرّها إلا من ثبته الله تعالى ورزقه بصيرة يبصر بها الحق وينصف بها الخلق. نعم إن الأمة الاسلامية أصيبت اليوم بجراحات وشدائد غائرة في مشارق الارض ومغاربها، بل لا يكاد يمر أسبوع أو شهر إلا وتنزل بالأمة نازلة أو أكثر، وخاصة في ظل هذا التآمر على المسلمين، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك الامم تداعى عليكم كما تداعى الاكلة الى قصعتها".. 

   أو ليس في هذا ما يدعونا إلى التضرع إلى الله واللجوء إليه؟.. ألسنا في حاجة إلى هذا الدواء؟.

   حتى إذا لم يكن هناك سبيل إلى القنوت، ألم يأمرنا ربنا سبحانه بدعائه والتضرع إليه، لا سيما عند الشدائد والكربات، وأخبر أنه لا يجيب المضطر ولا يكشف الضر إلا هو، فقال سبحانه: "أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء". سورة النمل: 62.
  وذم الذين يعرضون عن دعائه عند نزول المصائب، وحدوث البأساء، والضراء، فقال: "وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ". سورة الأعراف:94 . وقال تعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ". سورة الأنعام: 42:43. 

   ألا إن دواءنا بأيدينا فلسنا مرضي، وسعادتنا معنا فلسنا أشقياء.. وإن سألتم عن ذلك كان الجواب:
  
صِدْقُ الالتجاء إلى الله. قال تعالى: "فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا). الأنعام:43. كم هو لطيف هذا الكلام بهذا الأسلوب، هلاّ تضرعوا عندما وجدوا الشدة!.  

  وبعد، فعلى كل مسلم أن يتعوذ من الفتن قبل وقوعها وحين وقوعها، في الصلوات والخلوات، وأن يلحّ في دعائه على الله تعالى، لأنّ كلّ الخير بيديه، والشكوى إليه، ألم يك نبينا صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ هرع إلى الصلاة، بل ألم يأمرنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتعوُّذ من الفتن في كل صلاة، قال - عليه الصلاة والسلام: "إذا تشهَّد أحدكم فليستعِذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجَّال". رواه مسلم.
 
وصح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أنه قال: "تكون فتنة لا ينجي منها إلا دعاءٌ كدعاء الغريق". رواه ابن أبي شيبة.  

   أحبتي: هذه ما قلت، ولم أقصد لمَّ الجوانب، وجمع الأطراف، واستيفاء القول؛ لأن الكلام في هذا طويل، والمجال قليل، والغرض التنبيه. وآمل أني قد وُفِّقْتُ بوضع النقاط على الحروف، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.  
   نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الثبات على دينه والإستقامة عليه، كما نسأله -سبحانه- أن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن، وأن يجعلنا من المتقين. اللهم إنا نسألك بعزتك التي لا ترام، وبملكك الذي لا يضام، أن تنصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك، وعبادك المؤمنين، يا ذا الجلال والإكرام ..

الأربعاء، 20 فبراير 2013

ما أكثر الموتى بهذا المقياس



  إنّ للقلوب موتا دونه موت الأبدان، بل إنّ القلوب إذا ماتت لم يبق أيّ خير في الأبدان. والقرآن الكريم يشير إلى موت القلوب، إذ يقول: "إنما يستجيب الذين يسمعون، والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون". ويقول أيضا: "لتنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين".
 ليس المراد من الموتى في الآية الأولى، غير موتى القلوب.. كما أنه ليس المراد من قوله: "من كان حيا" في الآية الثانية غير حي القلب.

  وهذا طبيب من أطباء القلوب، يفحص قلوب الناس فيجدها قد ماتت، ثم يبحث عن أسباب موتها فيجدها عشرة، لنستمع إليه وهو يجيب من سأله:

   يا إبراهيم ـ ابن أدهم ـ ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا، وقد قال الله تعالى: "ادعوني أستجب لكم"؟.
  فقال: لأن قلوبكم ميتة. قيل: وما أماتها؟ قال: عشر خصال:

"عرفتم حق الله ولم تقوموا به، وقرأتم القرآن ولم تعملوا بحدوده، وقلتم نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركتم سنته، وقلتم نخشى الموت، ولم تستعدوا له، وقد قال الله تعالى: "إن الشيطان لكم عدو"، فواطأتموه على المعاصي، وقلتم نخاف النار، وأحرقتم أبدانكم فيها، وقلتم نحب الجنة، ولم تعملوا لها، وأكلتم نعمة الله، ولم تؤدوا شكره، ودفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بهم، وإذا قمتم من فرشكم، رميتم عيوبكم وراء ظهوركم، وافترشتم عيوب الناس أمامكم، فأسخطتم ربكم، فكيف يستجيب لكم؟".

  ألا ما أكثر الموتى بهذا المقياس، وإن كانوا يتحركون، ويتحدثون، ويأكلون، ويشربون، ويضحكون... لكنهم موتى، يمارسون الحياة.. بلا حياة..

مَن منا يستطيع آن يقول إن هذه الخصال التي ذكرها الرجل الزاهد العابد القانت ابن الأدهم رحمه الله، ليست موجودة فينا؟.

فاللهم يا محيي القلوب ويا باعث الموتى هب لقلوبنا حياة، فإن دينك لا يحيى إلا في القلوب الحية.

الاثنين، 18 فبراير 2013

وما النصر إلا من عند الله



النصر لفظ من الألفاظ العقدية في الدين الإسلامي: في علوم الحرب وصراع القوى يُمْكِن للخبراء العسكريين والقادة السياسيين أن يتنبؤوا بنتائج المعارك مسبقاً، وغالباً ما تصيب توقعاتهم وتوافق حساباتهم، ولا سيما مع التطور الهائل الذي تشهده التقنية الحديثة على مختلف الأصعدة وفي جميع المجالات، حيث يمكن إدخال أرقام وقياسات كِلَا طرَفَي معركةٍ ما لجهاز حاسوب فيعطيك نتيجة فورية مفصلة بنتائجها قبل نشوبها.

ولكن هذه التقنية الباهرة تقف عاجزة كل العجز أمام إخضاع أسبابنا الخاصة كمؤمنين لحساباتهم كبشر، فحينما يكون أحد المعسكرين المتحاربين معسكر الإيمان تفشل الحسابات، بل تكون حساباتها تلك من باب العبث والدجل، لأنها تتأسّس - حينئذ - على مقدمات خاطئة أو ناقصة لم يَحُط بها استقصاءٌ كلّي جامع.  
لأن هناك أسبابا يختص بها المسلمون، إنها أسباب ربانية لا تُمنح لجنس تفضيلاً له على آخر، وإنما يختص بها أهل الإيمان أينما كانوا، وأياً كان جنسهم أو لونهم، وذلك بمقتضى ميزان العدل الإلهي، الذي لا اعتبار فيه لمعايير البشر العنصرية والمادية، والتي لا تتحيز لفريق دون آخر لمجرد الهوى، أو لحمية الجاهلية، أو للإلتقاء المصالح النفعية، فالإعتبار الوحيد في ميزان الله، هو كما قال تعالى:  "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ". محمد: 7 . 

فالنصر لفظ من الألفاظ العَقَدية في الدين الإسلامي، وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم ما يزيد عن مائة وثلاثين مرة. وهو مُسْنَد ومنسوب إلى الله العليّ القدير، فالنصر من عند الله، والمسلمون يُنصَرون بمددٍ من الله وتأييده، وذلك حينما يَنصُرون الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه، كما في قوله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: "إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ". الآية: 160 . وكما في قول رب العالمين في سورة الحج: "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ"، الآية:40 . وقوله عز وجل في سورة محمد: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ". الآية:محمد:7 .

ليتنا ندرك هذا .. اللهم انصرنا على أنفسنا حتى نستقيم على أمرك، وانصرنا على أعدائنا حتى نسعد بظهور دينك..
 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق