قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)}. سورة الأنفال.
لما ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه كتابَ
الفتن، ابتدأه بقوله: "باب: قول الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا
تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ..) , وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذّر من الفتن".
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "هذه
الآية؛ وأن كان المخاطب بها هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, لكنها عامة
لكل مسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحذر من الفتن".
ومعنى الآية ـ والله أعلم ـ: أنه إذا كان
الزمان زمان تفرُّق واختلاف، فليحذِّر بعضنا بعضاً بقوله: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا
تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة). يعني: اتقوا تفرّقاً واختلافاً
لا يصيب مآله ولا تصيب نتيجته الذين ظلموا منكم خاصة, وإنما يصيب الجميع, ولا يخص
ذلك الأثر- للتفرق والاختلاف مثلاً- الظالم وحده.
وحتى يتسنى لك – أيها المسلم – أن تعصم نفسك
من أن تنساق، أو تسوق نفسك إلى ما لم تعلم عاقبته الحميدة, أو مالم تعلم ما يؤول
إليه ذلك الأمر من مصلحة أو مفسدة، من رعاية الضوابط ورعاية القواعد التي بينها
أهل ألسنة والجماعة.
فيا أخي ـ اعلم ـ أن للقول والعمل في الفتن
ضوابط؛ فليس كل مقال يبدو لك حسناً تظهره, وليس كل فعل يبدو لك حسناً تفعله..
أما سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: "حفظت
من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: أما أحدهما؛ فبثثته, وأما الآخر؛ فلو
بثثته لقطع هذا الحلقوم"! رواه البخاري في صحيحه.
واعلم ـ يا رعاك الله ـ أن العلماء قد حذروا
من اللسان في الفتنة، وذكروا أن وقعه في الفتنة أشد من وقع السيف؛ كما روى بهذا
أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "تكون فتنة تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع
السيف" رواه أبو داوود وغيره.
وجاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: "بينما
نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكروا الفتنة، أو ذكرت عنده قال: إذا
رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا -وشبك بين أصابعه- قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني
الله فداك؟ قال: الزم بيتك، واملك عليك لسانك وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك
بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة" رواه الإمام أحمد وغيره.
وأخيرا إن كان لا بد من
وصية، فإن أول ما أُوصي به نفسي، وإخواني المسلمين –لاسيما الدعاة وطلبة العلم-
تقوى الله عز وجل-فهي وصية الله لجميع خلقه الأولين والآخرين، كما قال تعالى:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ
اتَّقُوا اللَّهَ). النساء: 131
أسأل الله أن يكشف عن أمة الإسلام البلاء
والفتن، وأن يرفع عنها المصائب والمحن، فإنه سبحانه سميع مجيب، وإنه تعالى نعم
المولى ونعم النصير...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق