إن آداب الطرق وأخلاق السير، مشكلة كبرى للإنسانية. فقد
اهتمت بها التشريعات السماوية والتشريعات الوضعية، فالطريق حق مشترك للمارة، ينبغي
إفساحها وإزالة الأذى والعراقيل عنها، والذين لا يفعلون ذلك، إنما يعوقون حركة
المجدّين في السير.
ألم يذكر الرسول صلى
الله عليه وسلم أن من أزال ما يؤذي الناس في طريقهم جزاؤه الجنة؟. فكيف تكون
العقوبة لمن يتعمد إضرار الناس وإيذاءهم في طرقاتهم؟. أخرج الطبراني من حديث حذيفة
بن أسيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من آذي المسلمين في
طرقهم وجبت عليه لعنتهم".
أيها السادة: جولة بسيطة في أيّ شارع من شوارع
مدينتنا.. ولا تحتاج لعناء، لنجد كوما
هائلا من المخالفات المرورية، فهذا مسرِع بل الأغلبيّة مسرعون، وذلك يتجاور عن
اليمين، وهذا يقف وقوفا خاطئا، وذلك يريد أن يتخطى الآخرين، وآخرون واقفون في وسط
الطريق للسلام، وآخر قاطع لإشارة المرور، وذلك يتجاوز لأن يكون هو الأول، وآخر لا
يعرِف حرمة لإشارات الوقوف، وآخرون قد أزعجوا من حولهم بأصوات الموسيقى. وما إلى
ذلك مما تعرفون.
تلك هي أحوال الأذى في طرقنا، وأنا أعلم وتعلمون أن
القوانين تفرض عقوبات رادعة لمخالفي قانون المرور، ولكن ـ أحسب ـ أنها لا تؤدّي
نتائجها، ولا يزول هذا الأذى من طرقاتنا، إلا إذا طبقنا إحدى الشعب التي ذُكرت في
الحديث النبوي الشريف، فالشعور الداخلي بجمال الخير وقبح الشر، بحيث تنفر النفس من
الشيء القبيح، وتسرّ بالشيء الجميل، إن هذا الأمر لا يحدث إلا بالمعرفة الصحيحة
بما جاء به الدين، هذه المعرفة تتحوّل من فكرة إلى شعور، ومن علم إلى تذوق.
فيستطيع الإنسان أن يفرق بين الخير والشرّ، والنافع والضارّ، والمباح والممنوع،
بحيث يصبح مؤمنا يستفتي قلبه، وإن أفتاه أهل الفتوى، وإن خلا الطريق من رجال شرطة
المرور. فالحياء لا يأتي إلا بخير، ولهذا شوّق النبيّ صلى الله عليه وسلّم أصحابه
ورغّبهم في أن يتحلّوا بالحياء. فقال: "والحياء شعبة من الإيمان".
إن الإيمان ليس مجرّد إدراك ذهني
أو تصديق قلبي غير متبوع بأثر عملي في الحياة.. كلا، إنه اعتقادٌ وعملٌ وإخلاصٌ.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة:
فأفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
ألا يا رعاكم الله: اتقوا الله، واستمعوا إلى توجيه نبيكم صلى
الله عليه وسلم، واعلموا أن الطريق مرفق عامّ، من حقّ كل شخص الإستفادة منه دون أن
يتعرَّض لأذىً أو مضايقة من أحد، والمطلوب من المسلم أن يُبعد ويَبتعد عن كل ما
يسبّب ضررا للآخرين. واتقوا الله في أنفسكم
وفي أولادكم وفي إخوانكم، والتزموا بحفظ نظام السير وتعاونوا معا لمصالح المسلمين،
وتعاونوا على البر والتقوى ليحصل بذلك الأمن والسلامة لجميع المسلمين.
نسأل الله سبحانه
وتعالى أن يوفقنا لذلك، وأن يجعلنا ممن يحفظون دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم،
وأن يكتب لنا وللمسلمين جميعًا السلامة والعافية في البر والبحر، والحمد
لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق