زلزال فاجأ إخواننا بياتا وهم نائمون، فتحوا عيونهم وكأنهم على فزع القيامة، خرج بعضهم حافي القدم، وربما بعضهم عاري الجسد إلا بما يستر عوته، يحسبون أن القيامة قامت، وأنهم بعثوا من قبورهم ليساقوا إلى حشرهم..
وعلى حال لا
يوصف... بقوا خارج البيوت. يلاقون الهلع والخوف، لا يستطيعون الرجوع إليها، لأن
الزلزال ما زال يتعهد البيوت بالطروق بعد الطروق..
وكان لطف
الله، فله الحمد والشكر.. فسبحانه بمعونته نستمدّ، وعلى حوله وقوته نعتمدّ، يقضي
بما يشاء و يفعل ما يريد.
وتلك هي
إرادة الله، ولا رادّ لقضائه، أراد سبحانه أن لا تسير الحياة على وتيرة
واحدة أو نظام رتيب..
أيها
الأفاضل: إن الآيات منها صوامت سواكن، تعظ القلوب بصمتها، وتحرك سواكن الخواطر
بسكونها.. ومنها قوارع صوادع، تقرع
الأسماع بجلجلتها المفزعة، وتصدع القلوب برجتها المذهلة.. فإياكم أن تمروا عن تلك
أو هاته معرضين.
نعم.. فبعض
الآيات عنوان حبّ الحق سبحانه تبارك وتعالى لعبده، لأنه إمّا أن يكون طائعا فتحطّ
خطاياه، أو ترفع له درجاته، وإمّا أن يكون عاصيا منصرفا عن خالقه، فيمسّه الضرّ ليفيق
من غفلته، ويلتجئ إلى المولى سبحانه داعيا أن يكشف عنه ما به من ضرّ، ويزيل ما حاق
به من كرب، يرفع يديه إلى السماء في خشوع وخضوع، متذكرا رحمة مولاه قائلا :
"يا رب .. يا رب". فيجيبه الحق سبحانه و تعالى: " لبيك
عبدي..."..
لأن المولى سبحانه يحب أن يضرَع إلـيـه عبده
بالدعاء والرجاء، فيتحقق بذلك جلال الربوبية وخضوع العبودية..
وصدق من لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه
عليه إذ يقول: "إذا أحبّ الله عبدا ابتلاه، فإذا صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه".
وروى
الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قوله: "إذا أحبّ الله قوما ابتلاهم،
فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع".
وبعد، أيها الأفاضل: اعلموا أن "السعيد من
اتعظ بغيره"، فخذوا العبرة من هذه الزلزلة قبل أن تحل بكم تلك الزلزلة التي
تلف الكون كله من اقصاه إلى أقصاه، والتي يقول الله في وصفها: "إن زلزلة
الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى
الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".
فتلك.. تلك
هي الزلزلة التي ما بعدها زلزلة، فاللهم سلم.. سلم.. فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز
وجل، فإنّ تقوى الله دار حصن عزيز، تمنع أهلها، وتحرز من لجأ إليها، فهي النجاة
غدا، والمنجاة أبدا، واستغفروا الله لعلكم ترحمون..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق