جاء في ترجمة
سفيان بن عيينة رحم الله، أشياء عجيبة في صغر سنّه، تدل على همّة ونجابة عالية.
يحدُث عن
نفسه أنه التقاه مرة عمراً بن دينار رحمه الله قبل أن يعرفه، فقال له:
يا غلام امسك حماري حتى أغدو إلى المسجد فأصلي
ركعتين، قال: لا أفعل، حتى تحدثني حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: وما
عسى أن ينفعك الحديث، قال: إذاً لا أفعل، وأبى عليه أن يمسك حماره حتى يحدثه، قال: فحدثني ببضعة أحاديث، ثم دخل وصلّى وخرج، قال :
ما انتفعت بما حدثتك؟. قال: فأعدت عليه الاحاديث،
قال: فعجب، فلما مضى سألت عنه، فقيل: هذا عمرو بن دينار فلزمت مجلسه".
بدأ رحمه الله، طلب الحديث بعد العاشرة، وجلس إلى
عمرو بن دينار رحمه الله وهو في الثانية عشرة من عمره، وكان يقول عن نفسه: "كنت
إذا جئت إلى حلقة عمرو بن دينار، وأنا
طولي بضعة أشبار، وذيلي بمقدار، فإذا جئت قال: "الكبار افسحوا للمحدث الصغير،
أو كلاما نحو هذا".
من هنا أخلص
فأقول: إن الصغير عندما يذهب إلى حلق العلم، لا يكون عابثاً من العابثين، ولا يكون
صغيراً من الصغار، فكيف بالشاب أو من بدأ في مقتبل العمر بل هو في زهرة وريعان
الشباب إذا دخل هذا الميدان، ألا فاستثمروا حدّة عقولهم، وقوة شبابهم..
فكذلك كان كبار الصحابة رضي الله عنهم
يفعلون، كانوا يهتمون بالشباب، ويجالسونهم ويصاحبونهم، ويعلمونهم مكارم الأخلاق،
ويزرعون فيهم العمل للإسلام، ويُحملونهم ما يليق بهم من المهمات.
رأى عمرو بن العاص رضي الله عنه قوما نَحَّوْ
فتيانهم عن مجلسهم، فوقف عليهم وقال: ما لي أراكم قد نحيتم هؤلاء الفتيان عن
مجلسكم؟! لا تفعلوا، أوسعوا لهم وأدنوهم وحدثوهم وأفهموهم الحديث؛ فإنهم اليوم
صغار قوم ويوشكون أن يكونوا كبار قوم، وإنا قد كنا صغار قوم ثم أصبحنا اليوم كبار
قوم.
اللهم اجعلنا خير سلف لخير خلف، واجعل شبابنا
خير خلف لخير سلف، اللهم تقبل بفضلك أعمالنا، وحقق بالزيادة آمالنا، واجعل بطاعتك
اشتغالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واختم بالسعادة آجالنا، واجعل إلى جنتك
مصيرنا ومآلنا.