الأجر المترتب على العبادة يزداد بازدياد المشقة الطارئة على العمل غير المقصودة لذاتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في الحج: "أجرك على قدر نَصَبك" أي تعبك.
وإنّ من الأعمال التي تصيبها مشاق عارضة، الصيام في أزمنة الصيف الشديدة الحرّ، حيث يطول نهارها، ويقصر ليلها، ويكثر ظمؤها.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من السلف الصالح، يبادرون إلى الطاعات، ويسارعون إلى جنة عرضها الأرض والسماوات، بصيام النفل في زمن المشاق. فأما إذا كان الصيام صيام فرض وصاحَبَه الإخلاص وحسن العمل والاحتساب، وابتعد عن الرياء والشكوى، كان الأجر أكبر.
ثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في اليوم الحارّ الشديد الحرّ، وإنّ الرجل ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ، وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة". وفي رواية أن ذلك كان في شهر رمضان.
قال ابن رجب رحمه الله في اللطائف: "كانت بعض الصالحات تتوخى أشدّ الأيام حرّاً فتصومه، فيقال لها في ذلك، فتقول: إنّ السعر إذا رخص اشتراه كل أحد، تشير إلى أنها لا تُؤثِر إلا العمل الذي لا يقدر عليه إلا قليل من الناس، لشدته عليهم، وهذا من علوّ الهمة"..
ولمّا صبر الصائمون لله في الحرّ على شدّة العطش والظمأ، أفرد لهم باباً من أبواب الجنة، وهو باب الريان، من دخله شرب، ومن شرب لم يظمأ بعدها أبداً، فإذا دخلوا أُغلق على من بعدهم فلا يدخله غيرهم، هذه أُولى فوائد اجتماع الصيف برمضان، أعني: "عظم الثواب والأجر".
إذن فاعلم ـ أُخَيَّ ـ أنّ شدّة الحرّ في رمضان رحمة للمؤمن إلا من أبى.
أسأل الله العلي القدير أن يجعلنا ممن أحسن العمل والقصد، وجنى من الدنيا خير زاد ليوم المعاد، إنه وليّ ذلك والقادر عليه..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق