قال صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ
القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على
سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها
إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في
نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا
وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا". رواه
البخاري عن النعمان بن بشير.. .
في هذا الحديث ـ
أيها الكرام ـ يشبه صلى الله عليه وسلم المجتمع بأفراده بأناس ركبوا سفينة
واقتسموا الأمكنة فيها، فصار نصيب بعضهم أعلاها، ونصيب آخرين أسفلها..
وهؤلاء الذين هم في
الأسفل أرادوا أن يخرقوا نصيبهم للحصول على الماء، كانت نيتهم حسنة وعذرهم مقبولا،
فهم يريدون الحصول على الماء بطريقة سهلة ومسيرة كما حال من هم في أعلى السفينة،
هم لا يريدون الإكثار من الصعود إلى سطح السفينة والنزول، حتى لا يتأذى من هم في
أعلى السفينة..
ولكن قد غفل هؤلاء على أن هذا الخرق الصغير
سيؤدي إن تُركوا إلى هلاك الجميع، ويكون معنى "أصغر خرق" هو - كما قال
مصطفى صادق الرافعي - أوسع قبر... .
وللأسف ما نراه في مجتمعاتنا العربية أنها
تسير من غفلة إلى أخرى، ومن ضياع إلى آخر، ولا تستفيد من التجارب التي مرت بها،
إيه.. واتسع الخرق على الراقع..
ألا
إن حسن النية لا يجعل الشر خيراً، ولا الباطل حقا، لأن الفعل في حد ذاته خطأ، ولا
يمكن أن يحكم عليه بالصواب اعتماداً على حسن نية الفاعلين.. .
فالإفساد قد يقع من الطيبين خطأ أو جهلا، كما يقع
من الأعداء المتربصين الذين يظهرون حب الأوطان، ويبطنون الغش والكفران.. والخطأ أو
الفساد الذي يرتكبه الفرد لا يصيب صاحبه فقط بل يصيب المجموع..
وهنا
تظهر القيادة الحكيمة الرحيمة التي تحل المشاكل قبل أن تغرق السفينة.
قال
صلى الله عليه وسلم: "إن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً"، إنه
إلغاء للغة الجاهلين، الذين إذا أنكر عليهم منكر قالوا:
هذه
حرية شخصية، ولا تتدخل في شئون الناس، وخصوصياتهم وما أشبه ذلك.. .
ألا وإن مصالح الدنيا ومفاسدها إنما تعرف كما
ذكر العز بن عبد السلام رحمه الله في قواعد الأحكام "ص8": "تعرف
بالضرورة والتجربة والعادة والظنّ المعتبر، وأن من أراد أن يعرف المصلحة والمفسدة
فليعرض ذلك على عقله ثم يبني عليه الحكم، ولا يخرج عن ذلك إلا ما كان من باب
التعبد المحض". .
لذا يجب أن نعي السبل القويمة لحراسة المصالح
العليا للأوطان حتى لا تلتهمها الأنانيات الجامحة، وتغرقها في وحل الفتن.. ولا بدّ من الحزم اللازم لتشديد المراقبة والمحاسبة حتى لا
يغرق الجميع ويهلكوا. وليتأكد الجميع أنه في الأزمات تزيغ قلوب أقوام، وتزول أحلام
أقوام، وتتزلزل عقائد أقوام.. ولكن بالمقابل: يربط الله على قلوب أقوام فيزدادون
إيماناً مع إيمانهم، وثباتاً إلى ثباتهم، وتسليماً على تسليمهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق