الأحد، 17 أغسطس 2014

ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة




اعلم ـ ايها الفاضل ـ رحمني الله وإياك ـ أن: الكلام لا يكون نفاذا إلى القلوب، إلا إذا كان صادرا عن شعور صحيح وإحساس صادق..

فلقد روي أن الحسين ـ رحمه الله ـ سمع متكلّما يعظ الناس، فلم تقع موعظته من قلبه بمكان، فقال:

يا هذا، إن بقلبك لشرا، أو بقلبي!.

إيهٍ.. أيها الفاضل: إنه رحمه الله يريد أن يبين لنا أن الكلام الخالي من العاطفة والشعور وإن كان مفعما بالحقائق متين الأسلوب فإنه لا يجد إلى نفوس الناس سبيلا..

قال عمر بن ذر لأبيه :
يا أبت.. ما لك إذا تكلمت أبكيت الناس، وإذا تكلم غيرك لم يبكهم ؟.
فقال: يا بني .. ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة.

وقيل لأعرابي: ما بال المراثي أشرف أشعاركم؟.
قال:لأنا نقولها وقلوبنا محترقة!!

حقا.. إن هناك فرقا بين الحقيقة والصورة، وبين البكاء والتباكي، وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة.. كما أنه لا يستوي الأحياء ولا الأموات. وليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء!.

فتأمّل هذا ـ غفر الله لي ولك ـ وأصلح نفسك ما استطعت، واعلم بأن التوفيق من عند الله.. أسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا، وأن يجعل عملنا خالصاً صواباً، ونعوذ بالله من حظوظ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا...

الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

حدثوا الناس بما يعرفون

أيها الفاضل: إن التدرج في التعليم، وتخصيص قوم بعلم دون قوم، مراعاة للفهوم وتقديرا للمصالح، فنّ من فنون التربية والتعليم، بل منهج نبوي شريف يجب الإنتباه إليه وتطبيقه.
فالمتعلّمون والمتلقّون ليسوا كلهم على درجة واحدة من الفهم والإدراك، ولا على درجة واحدة من الحرص والرغبة..
.
فقد بوّب البخاري رحمه الله في صحيحه، قال: "باب من خص بالعلم قوما دون كراهية أن لا يفهموا". وذكر تحته حديث أنس رضي الله عنه، قال: ذكر لي أن التبي صلى الله عليه وسلم، قال لمعاذ ـ رضي الله عنه ـ: من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة". قال: ألا أبشر الناس؟. قال: لا، إني أخاف أن يتكلوا".
.
أيها الفاضل: في هذا الحديث بيان وجوب أن يخص بالعلم الدقيق قوم فيهم الضبط وصحة الفهم، وأن لا يبذل لمن لا يستأهله، أو من يخاف عليه الترخيص، أو الإتكال لقصر فهمه.
.
ألا إن عملية التعليم والتربية والدعوة إلى الله ليست عملية استعراض المعلومات، وإنما هي صياغة متكاملة، تحتاج في أولها الأسس والمبادئ التي تصح بها النهايات وتكتمل.
فالتربية جهود تراكمية، يرفد بعضها بعضا، حال فحال إلى حدّ التمام، ولعل المعنى اللغوي للتربية أكثر دلالة على ذلك.
.
وهذه هي طريقة الربانيين الذين امتدحهم الله بقوله: "ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون". آل عمران: 79.
قال البخاري رحمه الله: قال ابن عباس رضي الله عنهما: الربانيّ هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره".

أيها الفاضل: احذر العجلة، وإياك.. إياك والجرعة الزائدة، فقد تقتل، واعلم بأن الله يقول: "قد جعل الله لكل شئ قدرا". الطلاق: 3. ثم إن نهوض الأمة ورقيها وصلاحها إنما هو معقود بمدى جودة التربية وصلاح التعليم..

جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "إنك لن تحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". رواه البخاري.

وبعد، هذا ما أردت قوله، وأسأل الله أن يتقبله بقبول من عنده، وأتوب إليه سبحانه وأستغفره..

الأحد، 3 أغسطس 2014

خذوا العبرة من هذه الزلزلة قبل أن تحل بكم تلك الزلزلة


زلزال فاجأ إخواننا بياتا وهم نائمون، فتحوا عيونهم وكأنهم على فزع القيامة، خرج بعضهم حافي القدم، وربما بعضهم عاري الجسد إلا بما يستر عوته، يحسبون أن القيامة قامت،  وأنهم بعثوا من قبورهم ليساقوا إلى حشرهم..
وعلى حال لا يوصف... بقوا خارج البيوت. يلاقون الهلع والخوف، لا يستطيعون الرجوع إليها، لأن الزلزال ما زال يتعهد البيوت بالطروق بعد الطروق..

وكان لطف الله، فله الحمد والشكر.. فسبحانه بمعونته نستمدّ، وعلى حوله وقوته نعتمدّ، يقضي بما يشاء و يفعل ما يريد.

وتلك هي إرادة الله، ولا رادّ لقضائه، أراد سبحانه أن لا تسير الحياة على وتيرة  واحدة أو نظام رتيب..

أيها الأفاضل: إن الآيات منها صوامت سواكن، تعظ القلوب بصمتها، وتحرك سواكن الخواطر بسكونها..  ومنها قوارع صوادع، تقرع الأسماع بجلجلتها المفزعة، وتصدع القلوب برجتها المذهلة.. فإياكم أن تمروا عن تلك أو هاته معرضين.


 نعم..  فبعض الآيات عنوان حبّ الحق سبحانه تبارك وتعالى لعبده، لأنه إمّا أن يكون طائعا فتحطّ خطاياه، أو ترفع له درجاته، وإمّا أن يكون عاصيا منصرفا عن خالقه، فيمسّه الضرّ ليفيق من غفلته، ويلتجئ إلى المولى سبحانه داعيا أن يكشف عنه ما به من ضرّ، ويزيل ما حاق به من كرب، يرفع يديه إلى السماء في خشوع وخضوع، متذكرا رحمة مولاه قائلا : "يا رب .. يا رب". فيجيبه الحق سبحانه و تعالى: " لبيك عبدي..."..

 لأن المولى سبحانه يحب أن يضرَع إلـيـه عبده بالدعاء والرجاء، فيتحقق بذلك جلال الربوبية وخضوع العبودية..

 وصدق من لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه إذ يقول: "إذا أحبّ الله عبدا ابتلاه، فإذا صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه". وروى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قوله: "إذا أحبّ الله قوما ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر،  ومن جزع فله الجزع".

  وبعد، أيها الأفاضل: اعلموا أن "السعيد من اتعظ بغيره"، فخذوا العبرة من هذه الزلزلة قبل أن تحل بكم تلك الزلزلة التي تلف الكون كله من اقصاه إلى أقصاه، والتي يقول الله في وصفها: "إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".

فتلك.. تلك هي الزلزلة التي ما بعدها زلزلة، فاللهم سلم.. سلم.. فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإنّ تقوى الله دار حصن عزيز، تمنع أهلها، وتحرز من لجأ إليها، فهي النجاة غدا، والمنجاة أبدا، واستغفروا الله لعلكم ترحمون..
 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق