الجمعة، 28 نوفمبر 2014

لَا يَتَحَدَّث النَّاسُ أنّ مُحمَّدا يقْتُل أصحَابَهُ

أيها الأفاضل الكرام: 

إنّ غزوة بني المُصطَلق أو المُرَيسيع؛ لم تكن غزوةً ـ من حيث الوجهة العسكرية ــ طويلة الذيل ولا عريضة الأطراف. ولكن وقع فيها ما أحدث بلبلة واضطرابا، غير أنها انتهت بفضح المنافقين، وتمخّضت عن تشريعات أعطت صورة من النبل والطهارة وعزة النفس للمجتمع الإسلامي..

  إنها غزوةٌ برز فيها دور كبير للمنافقين، وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول.. هذا الأخير صرّح بكلام كفري تحريضي خطير، ولمّا وصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنكر حالفا بالله أنه لم يقل شيئا، فنزلت سورة "المنافقون" ومنها قوله تعالى:

"هم الذين يقولون لا تُنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون".
.
بعد أن كشفت هذه الآيات ما قاله عبد الله بن أبيّ، اقترح بعض الصحابة أن يُقتَل الرجل باعتباره منافقا كافرا..
وكان الجواب من هادي الإنسانية ورحمتها، سدّا منيعا أمام ذرائع المشكّكين، معلّلا جوابه بما سيتناقله الرأي العام:
"لَا يَتَحَدَّث النَّاسُ أنّ مُحمَّدا يقْتُل أصحَابَهُ".
موقفٌ نبويٌّ عجيبٌ، وبعدٌ استراتيجيٌّ عميقٌ..
نعم.. لو قُتل عبد الله بن أبيّ حينها، وفي ذلك مصلحة، ولكن هذه المصلحة تفوقها مفسدة أخرى.. إذ يتعاطف معه البعض لمكانته الإجتماعية، ويُقدَّم على أنه ضحية.. نعم.. لو قتل حينها لصار في نظر المنافقين والمغفّلين زعيم مقاومة وشهيد رأي.
ـ
     لا يتحدّث الناسُ... كلمة قلية، وعبارة قصيرة، لكنها تحمل من الدلالات العميقة، واللفتات الدقيقة، ما يعطينا درسا مهمّا في الإبتعاد عن كلّ فعل أو مظهر يستطيع العدوّ أن يجعله ذريعة لتحقيق مآربه..
لا يتحدث الناس... مرآةٌ ينظر فيها الإنسان إلى الخارج ليرى الطقس ويطالع المناخ، هل يناسبه الخروج أم يبقى في مكانه قبل أن يتّخذ قرارا يكون مستعدّا فيه لتبعات الموقف، وجاهزا لدفع ثمن القرار ونتائجه؟.
لا يتحدث الناس... قاعدة جاءت ممّن أُعطي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، ذوق أخلاقيٌّ رفيع..
أيها الأفاضل: لا يتحدّث الناس...
ميزان لكل مواقفنا وتصرفاتنا، وما نتّخذه من القرارات والمواقف... وليس كلامي هنا عن مقارنة بين الحلال والحرام، فذلك بيّنٌ، والمسلم قد حدّد أمره من كلّ منهما.. إنما حديثي عن مقارنة بين مفسدتين: أيهما أخطر؟. ومصلحتين: أيهما أولى؟.

أحبتي الأفاضل: 
يشهد لهذه القاعدة الجميلة، أمثلة أخرى مبثوثة في القرآن الكريم، وفي سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، يطول المقام لذكرها..  قواعدٌ كلها تنمّي في المسلم خصلة التريّث، وميزة التثبت قبل اتخاذ أي قرار..
وإنما حُمدت العلماء بحسن التثبت في أوائل الأمور، واستشرافهم ما تجيء به العواقب..

واعلموا ـ غفر الله لي ولكم ـ إنه إن نبتت شجرة الحقد في بعض القلوب، فبمثل هذه التصرفات والقرارات، تنمو أزاهير الحب في قلوب آلآخرين..
أحبتي.. هذا ما يسر الله قوله، راجيا منكم تأمله ونشره، وأستغفر الله من كل ذنب أتيته، وتحيات الله وسلامه عليكم أوله وآخره..
 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق