الأربعاء، 4 مارس 2015

خزِّن دمك في عروق الناس فإنك لا تدري متى تحتاجه




    الحمد لله الذي بحكمته أنزل الداء، ومن عدله وحكمته وفضله جعل لكل داء دواء،علمه من علمه، وجهله من جهله. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وعلى صحبه وسلم..
    وبعد، أيها الإخوة الكرام: فإن من مقاصد الشريعة حفظ النفس، وبالتالي فأي شيء يحفظ على الناس أنفسهم ترغب الشريعة فيه، يقول الله تعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا". المائدة 32..
     ولا شك أن المريض قد يحتاج لقطرة دم واحدة تحفظ له حياته، وتُنقذ بها نفسه، والتبرع بها إليه إنقاذ له، وحفظ لنفسه. كما أن هذا من باب التعاون على البر الذي أمر الله به في قوله  تعالى:"وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" المائدة2 .
     نعم ـ أيها الفاضل ـ: إن التبرع بالدم عمل نبيل وواجب ديني عظيم، وضرورة إنسانية يحتاج إليها كثير من الناس في أي وقت من الأوقات ، وهو يسهم في إنقاذ حياة آلاف المرضى الذين يكونون في أمس الحاجة إليه، ولقد أذن الشرع في التبرع بالدم لأن فيه إحياء للنفس التي أمر الله بإحيائها، بل هو من أبواب التضحية والإيثار، قال تعالى: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ... " سورة الحشر: 9.
     ولا تسأل عن ثواب ما أعطى، وأجر ما قدّم، بمغفرة سيئات أو رفع درجات، قال تعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان". الرحمن: 60. وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَة، ومَنْ يَسَّرَ عَلى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ ومَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ". ولا توجد كربة وعسرة ـ عافاني الله وإياك ـ يعيشها الإنسان مثل كربة مريض الذي يحتاج لقطرة دم حتى تستمر بها حياته..
فهل تعرف ـ أيها الفاضل ـ منهم الأشخاص المحتاجون لتلقي أو استقبال الدم؟.
ـ إنهم ضحايا الحوادث المرورية والحرائق وما إليهما..
 ـ المرضى الذين يخضعون لعمليات جراحية، كعمليات نقل الأعضاء، أوغيرها من العمليات التي قد تكون مصحوبة بنزيف..
 ـ الأشخاص الذين يعانون من سرطان الدم أو غيره من الأورام.
ـ الأشخاص المصابون بفقر الدم (الأنيميا)..
ـ حالات النزيف قبل الولادة وبعدها.
ـ الأطفال الخدج (غير مكتملي النمو).
ـ والخلاصة أن الدم ومشتقاته ( الصفائح الدموية، الكريات الحمراء، البلازما ...) لا غنى عنها في علاج الكثير من الأمراض، نسأل الله العافية لنا ولكم..
    ومعلوم عند الجميع ـ أيها الأفاضل ـ أن التبرع بالدم عملية إنسانية يقصد منها مساعدة المريض المتبرع له ابتغاء رضى الله تعالى، وهو من أفضل القربات التي يتقرب بها المسلم لربه، ولكن ما يجهله كثير من الناس، أن التبرع بالدم في حد ذاته له منافع صحية جمة على المتبرع، واسألوا الأطباء إن كنتم لا تعلمون..
   وإن بنوك الدم ـ أيها الأفاضل ـ تعاني ــ وبخاصة في بلدنا ــ مشكلات وأزمات منشؤها الأساسي يرجع إلى الوعي الجماهيري الخاطئ تارة والسلبي أحيانا..
      لذلك كان من المهم تسليط الضوء على هذا القطاع الخيري الحيوي، فالتبرع بالدم يرتبط بدرجة الوعي عند المواطن ودرجة إحساسه بالمشكلة، نعم إن هناك مجموعات ـ جزاهم الله خيرا ـ غالباً ما يتقدمون للتبرع بالدم وخصوصاً في وقت الكوارث أو الشدائد، وهناك من يتبرع بالدم لقريبه أو جاره محاولة منه للمشاركة في المحنة والتخفيف من حدتها، وهؤلاء وأولئك مشكورون مأجورون..
    لقد جاء في الأثر كما رواه أبو يعلى والديلمي وابن عساكر عن أنس رضي الله عنه، كما في فيض القدير: "إن الله يحب إغاثة اللهفان". وليس هناك أكثر لهفة ويحتاج إلى الإغاثة ممّن هو بين الموت والحياة، ولا يحتاج سوى قطرات من الدم ليستردّ عافيته وينتقل من حالة المرض والخطر، إلى الصحة والأمان.
 فما بالكم من يعطي الحياة لغيره؟
     إنها قمّة الإنسانية، حيث يكون له ثواب إعطاء الحياة للناس جميعا، وليس للمستفيد بالدم فقط، حيث يضاعف الله الثواب، لأنه هو سبحانه القائل: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَني إسْرَائيلَ أَنَّه مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا". المائدة: 32
     إلا إن الدم سرّ الحياة، ولا يقل في أهميته عن الماء الذي وصفه الله بأنه سر بقاء الأحياء حيث يقول سبحانه: "وَجَعَلْنَا مِنَ المَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ". ويعدّ الدم من الهبات والنعم التي أنعم الله بها على الأصحاء الذين عليهم ألا يبخلوا بالتبرع به ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا..
هذا والله أسأل أن يعينني وإياكم على فعل الخيرات، وأن يختم أعمارنا بالباقيات الصالحات، وأن يجمعنا في أعالي الجنات، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين .
الخطبة الثانية
  الحمد لله..
  

    الحمد لله..
....
 أما بعد، فقد قال صلى الله عليه وسلم : "أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس".  رواه الطبراني بإسنادٍ حسن. ذلكم هو طريق المجد، وسبيل الرشد والسعد، ومجال العظمة لمن شاء أن يكون نبيلاً عظيمًا، ويحيا ميمونًا كريمًا.

  أيها الكرام: فالتبرع باب من أبواب نفع الناس، فاعملوا على أن يكون صفة منتظمة مستمرة في بلدنا عن طريق متبرعين بدافع من إيمانهم وإحساس بمعاناة إخوانهم مبتغيين الأجر والمثوبة من الله تعالى وحده· فالتبرع بالدم يعدّ من أعظم القرب والطاعات التي يُتقرب بها إلى الله ، قال الله  تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّر ِوَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالعُدْوَانِ".  المائدة:2.
   واعلم ـ ي ـ أخي أختي ـ أنه مما لا شك فيه، أنك لو صرت يوما في حاجة إلى أن ينقل لك الدم، –عافانا الله وإياك- لتمنيت أن تجد من يتعاون معك ، فلهذا كان التوجيه النبوي لك: "أَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ".
ومن نافلة القول أن أذكر لك هذه القصة التي رواها لي أحد الفضلاء جزاه الله خيرا: حيث أن أحد الأشخاص تبرّع بكمية من دمه، وكان ذا فصيلة نادرة، وفي أحد الأيام تعرّض لحادث خطير، وكان بحاجة إلى الدم، ومن توفيق الله سبحانه أنهم وجدوا الكمّية التي تبرّع بها، وبالتالي فقد أنقذ نفسه..
     لهذا وغيره أقول لك ـ سائلا الله العافية لي ولك ـ: خزّن دمك في عروق الناس، فإنك لا تدري متى تحتاجه، وإني أدعوك من خلال كلمتي هذه لتجسيد هذا العمل الإنساني النبيل، وإعطائه ما يستحق من العناية والمزيد من الاهتمام، والتقرب به إلى الله تبارك وتعالى، والعمل على توثيق الروابط الاجتماعية، وإعطاء الحياة مذاقها الإنساني والقيمي الرفيع، والله يوفق للخير ويهدي للرشاد.
 هذا والله أسأل أن يمتعنا بأسماعنا وأبصارنا حتى يجعلهما الوارث منا، وأن يعافنا في ديننا وفي أجسادنا، وأن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين أجمعين برحمته إنه سبحانه أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين..  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
© 2009/ 11/25 *هذاالقالب من تصميمى * ورود الحق